كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
السَّلَفِ-: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} . وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا يُجِيبُهُمْ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ.
وَلَا مُنَافَاةَ إِذِ الْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الْجَمِيعُ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} .
نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَصَحُّ، (1) وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصَّافَّاتِ:20، 21] ، وَقَالَ [اللَّهُ] (2) تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الرُّومِ:55، 56] .
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} ، كَقَوْلِهِ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النَّازِعَاتِ:13، 14] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النَّحْلِ: 77] ، (3) وَقَالَ: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الْإِسْرَاءِ: 52] .
أَيْ: إِنَّمَا نَأْمُرُهُمْ أَمْرًا وَاحِدًا، فَإِذَا الْجَمِيعُ مُحْضِرُونَ، {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} أَيْ: مِنْ عَمَلِهَا، {وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
__________
(1) في أ: "وهو صحيح".
(2) زيادة من أ.
(3) في ت: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر أو هو أقرب" وهو خطأ.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ: أَنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا ارْتَحَلُوا مِنَ العَرَصات فَنَزَلُوا فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ: أَنَّهُمْ {فِي شُغُلٍ [فَاكِهُونَ} أَيْ: فِي شُغُلٍ] (1) عَنْ غَيْرِهِمْ، بِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ: {فِي شُغُلٍ} عَمَّا فِيهِ أَهْلُ النَّارِ مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أَيْ: فِي نَعِيمٍ مُعْجَبُونَ، أَيْ: بِهِ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {فَاكِهُونَ} أَيْ فَرِحُونَ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيّب، وعِكْرِمَة، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالْأَعْمَشُ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} قالوا: شغلهم افتضاض الأبكار.
__________
(1) زيادة من ت، أ.
الصفحة 582