كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي "كِتَابِ السُّنَةِ" مِنْ سُنَنِهِ (1) ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، (2) بِهِ.
وَقَالَ (3) ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وهب، حَدَّثَنَا حَرْمَلة، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حُمَيد قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ القُرَظِي يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، أَقْبَلَ فِي ظُلَل مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، قَالَ: فَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ -قَالَ الْقُرَظِيُّ: وَهَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} -فَيَقُولُ: سَلُونِي. فَيَقُولُونَ: مَاذَا نَسْأَلُكَ أيْ رَبِّ؟ قَالَ: بَلَى سَلُونِي. قَالُوا: نَسْأَلُكَ -أيْ رَبِّ-رِضَاكَ. قَالَ: رِضَائِي أُحِلُّكُمْ دَارَ كَرَامَتِي. قَالُوا: يَا رَبِّ، فَمَا الَّذِي نَسْأَلُكَ، فَوَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَارْتِفَاعِ مَكَانِكَ، لَوْ قَسَّمْتَ عَلَيْنَا رِزْقَ الثَّقَلَيْنِ لَأَطْعَمْنَاهُمْ وَلَأَسْقَيْنَاهُمْ وَلَأَلْبَسْنَاهُمْ وَلَأَخْدَمْنَاهُمْ، لَا يَنْقُصُنَا ذَلِكَ شَيْئًا. قَالَ: إِنَّ لديَّ مَزِيدًا. قَالَ فَيَفْعَلُ ذَلِكَ بِهِمْ فِي دَرَجِهِمْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ فِي مَجْلِسِهِ. قَالَ: ثُمَّ تَأْتِيهِمُ التُّحَفُ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، تَحْمِلُهَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، أَوْرَدَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ. (4)
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) } .
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَمَّا يَؤُولُ إِلَيْهِ حَالُ الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ أَمْرِهِ لَهُمْ أَنْ يَمْتَازُوا، بِمَعْنَى: (5) يَتَمَيَّزُونَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْقِفِهِمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} [يُونُسَ:28] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الرُّومِ: 14] ، {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الرُّومِ: 43] أَيْ: يَصِيرُونَ صدْعَين فِرْقَتَيْنِ، {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصَّافَّاتِ: 22، 23] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} : هَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ لِلْكَفَرَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ، الَّذِينَ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ وَهُوَ عَدُوٌّ لَهُمْ مُبِينٌ، وَعَصَوُا الرَّحْمَنَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَزَقَهُمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ: قَدْ أَمَرْتُكُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا بِعِصْيَانِ الشَّيْطَانِ، وَأَمَرْتُكُمْ بِعِبَادَتِي، وَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَسَلَكْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ وَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} ، يُقَالُ: "جِبِلا" بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَتَشْدِيدِ اللَّامِ. وَيُقَالُ: "جُبُلا" بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْبَاءِ، وَتَخْفِيفِ اللَّامِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُ الباء. والمراد
__________
(1) في ت: "رواه ابن ماجه في سننه".
(2) سنن ابن ماجه برقم (184) وقال البوصيري في الزوائد (1/86) : "هذا إسناد ضعيف لضعف الفضل بن عيسى بن أبان القرشي".
(3) في ت: "وروى".
(4) تفسير الطبري (23/15) .
(5) في ت: "يعنى".
الصفحة 584