كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
كَمَا قَالَ هَاهُنَا: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ جِيءَ بِلَبَنٍ فَعَرَضَهُ عَلَى جُلَسَائِهِ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَكُلُّهُمْ لَمْ يَشْرَبْهُ لِأَنَّهُ كَانَ صَائِمًا، فَتَنَاوَلَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُفْطِرًا فَشَرِبَهُ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى (1) {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ} ، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْهُ (2) .
وَقَالَ [ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ] (3) أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِر عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَب عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، جَاءَ مُنَادٍ فَنَادَى بِصَوْتٍ يُسمع الْخَلَائِقَ: سَيَعْلَمُ أهلُ الْجَمْعِ مَنْ أَوْلَى بِالْكَرَمِ، لِيَقُمِ الَّذِينَ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ. فَيَقُومُونَ، وَهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ يُحَاسِبُ سَائِرَ الْخَلَائِقِ" (4) .
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، مِنْ حَدِيثِ بَقيَّة، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فَاطِرٍ: 30] قَالَ: {أُجُورَهُمْ} يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ {، وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} ، الشَّفَاعَةُ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ، لِمَنْ صَنَعَ لَهُمُ الْمَعْرُوفَ فِي الدُّنْيَا (5) .
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) }
هَذَانِ مَثَلَانِ ضَرَبَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِنَوْعَيِ الْكُفَّارِ، كَمَا ضَرَبَ لِلْمُنَافِقِينَ فِي أَوَّلِ "الْبَقَرَةِ" (6) مِثْلَيْنِ نَارِيًّا وَمَائِيًا، وَكَمَا ضَرَبَ لِمَا يَقَرُّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ فِي سُورَةِ "الرَّعْدِ" (7) مَثَلَيْنِ مَائِيًّا وَنَارِيًّا، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى كُلٍّ مِنْهَا (8) فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ: فَهُوَ لِلْكُفَّارِ الدُّعَاةِ إِلَى كُفْرِهِمُ، الَّذِينَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَلَيْسُوا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَلَى شَيْءٍ، فَمَثَلُهُمْ فِي ذَلِكَ كَالسَّرَابِ الَّذِي يُرَى فِي الْقِيعَانِ مِنَ الْأَرْضِ عَنْ (9) بُعْدٍ كَأَنَّهُ بحر طام.
__________
(1) في ف، أ: "عز وجل".
(2) ذكره المزي في تحفة الأشراف برقم (9435) وعزاه للنسائي في المواعظ.
(3) زيادة من ف، أ.
(4) ورواه هناد في الزهد برقم (176) من طريق أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، به. وعبد الرحمن بن إسحاق ضعيف.
(5) المعجم الكبير للطبراني (10/248) وقال الحافظ ابن كثير عند تفسير الآية: 173 من سورة النساء: "هذا إِسْنَادٌ لَا يَثْبُتُ، وَإِذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ مسعود موقوفا فهو جيد".
(6) عند الآية: 17، والآية: 19.
(7) عند الآية: 17.
(8) في ف، أ: "منهما".
(9) في ف: "من".
الصفحة 70