كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 6)
وقال الزهري: ثلاث نَفَرٍ فَصَاعِدًا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْب، عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: الطَّائِفَةُ: أَرْبَعَةُ نَفَرٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَهَادَةٌ فِي الزِّنَى دُونَ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَصَاعِدًا. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ: خَمْسَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: عَشَرَةٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: نَفَرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مَوْعِظَةً وَعِبْرَةً وَنَكَالًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ قَالَ: سَمِعْتُ نَصْرَ بْنَ عَلْقَمَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لِلْفَضِيحَةِ، إِنَّمَا ذَلِكَ لِيُدْعَى اللهُ تَعَالَى لَهُمَا بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ.
{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) }
هَذَا خَبَر مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الزَّانِيَ لَا يَطأ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. أَيْ: لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى مُرَادِهِ مِنَ الزِّنَى إِلَّا زَانِيَةٌ عَاصِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ، لَا تَرَى حُرْمَةَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ: {الزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ} أَيْ: عَاصٍ بِزِنَاهُ، {أَوْ مُشْرِكٌ} لَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمَرة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِالنِّكَاحِ، إِنَّمَا هُوَ الْجِمَاعُ، لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَقَدْ رُوي عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَيْضًا. وَقَدْ رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وعُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ، وَالضِّحَاكِ، وَمَكْحُولٍ، ومُقَاتِل بْنِ حَيَّان، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، نحوُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} أَيْ: تَعَاطِيهِ وَالتَّزْوِيجُ بِالْبَغَايَا، أَوْ تَزْوِيجُ الْعَفَائِفِ بِالْفُجَّارِ مِنَ الرِّجَالِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا قَيْس، عَنْ أَبِي حُصَين، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: حَّرم اللَّهُ الزِّنَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيّان: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ نِكَاحَ الْبَغَايَا، وتَقَدّم فِي ذَلِكَ فَقَالَ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النِّسَاءِ: 25] وَقَوْلُهُ {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} الْآيَةَ [الْمَائِدَةِ: 5] وَمِنْ هَاهُنَا ذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، إِلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنَ الرَّجُلِ الْعَفِيفِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ مَا دَامَتْ
الصفحة 9
600