كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

عِكْرِمَةُ {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} ، قَالَ: مِنْ حَيْثُ نَأْمَنُكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} تَقُولُ الْقَادَةُ مِنَ الْجِنِّ، وَالْإِنْسِ لِلْأَتْبَاعِ: مَا الْأَمْرُ كَمَا تَزْعُمُونَ؟ بَلْ كَانَتْ قُلُوبُكُمْ مُنْكِرَةً لِلْإِيمَانِ، قَابِلَةً لِلْكُفْرِ وَالْعِصْيَانِ، {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} (1) أَيْ: مِنْ حُجَّةٍ عَلَى صِحَّةِ مَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَيْهِ، {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} أَيْ: بَلْ كَانَ فِيكُمْ طُغْيَانٌ وَمُجَاوَزَةٌ لِلْحَقِّ، فَلِهَذَا اسْتَجَبْتُمْ لَنَا وَتَرَكْتُمُ الْحَقَّ الَّذِي جَاءَتْكُمْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَأَقَامُوا لَكُمُ الْحُجَجَ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءُوكُمْ بِهِ، فَخَالَفْتُمُوهُمْ.
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} ، يَقُولُ الْكُبَرَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ: حَقَّتْ عَلَيْنَا كَلِمَةُ اللَّهِ (2) : إِنَّا مِنَ الْأَشْقِيَاءِ الذَّائِقِينَ الْعَذَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {فَأَغْوَيْنَاكُمْ} أَيْ: دَعَوْنَاكُمْ إِلَى الضَّلَالَةِ، {إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} أَيْ: دَعَوْنَاكُمْ (3) إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَاسْتَجَبْتُمْ لَنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} أَيِ: الْجَمِيعُ فِي النَّارِ، كُلٌّ بِحَسَبِهِ، {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ إِنَّهُمْ كَانُوا} أَيْ: فِي الدَّارِ الدُّنْيَا {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} أَيْ: يَسْتَكْبِرُونَ أَنْ يَقُولُوهَا، كَمَا يَقُولُهَا الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْب، حَدَّثَنَا عَمِّي، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ مُسافر -يَعْنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ-عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ، وحسابه على الله، وأنزل الله في كتابه -وَذَكَرَ قَوْمًا اسْتَكْبَرُوا-فَقَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (4) .
وَقَالَ (5) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حمَّاد، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيري، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ: يُؤْتَى بِالْيَهُودِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: اللَّهَ وعُزَيرًا. فَيُقَالُ لَهُمْ: خُذُوا ذَاتَ الشِّمَالِ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالنَّصَارَى فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعْبُدُ اللَّهَ وَالْمَسِيحَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: خُذُوا ذَاتَ الشِّمَالِ. ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمُشْرِكِينَ فَيُقَالُ لَهُمْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَيَسْتَكْبِرُونَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، فَيَسْتَكْبِرُونَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَيَسْتَكْبِرُونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: خُذُوا ذَاتَ الشِّمَالِ -قَالَ أَبُو نَضْرَةَ: فَيَنْطَلِقُونَ أَسْرَعَ مِنَ الطَّيْرِ-قَالَ أَبُو الْعَلَاءِ: ثُمَّ يُؤْتَى بِالْمُسْلِمِينَ فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ اللَّهَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تَعْرِفُونَهُ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُقَالُ لَهُمْ: فَكَيْفَ تَعْرِفُونَهُ وَلَمْ تَرَوْهُ؟ قَالُوا: نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا عِدْلَ لَهُ. قَالَ: فَيَتَعَرَّفُ لَهُمْ تَبَارَكَ وتعالى، وينجي الله المؤمنين.
__________
(1) في ت: "لكم علينا"
(2) في أ: "كلمة ربك".
(3) في ت، س: "فدعوناكم".
(4) وقد رواه مسلم في صحيحه برقم (21) بدون ذكر الآية من طريق يونس عن الزهري به.
(5) في ت: "وروى".

الصفحة 11