كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

اللَّيْثِ الْهَمْدَانِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَلِيكِيِّ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيرة، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَأَوَّلَ حم الْمُؤْمِنِ، عُصِم ذَلِكَ الْيَوْمَ مَنْ كُلِّ سُوءٍ".
ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُهُ يُروى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُلَيْكِيِّ، وَقَالَ: تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ (1) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{حم (1) تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) }
أَمَّا الْكَلَامُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ "سُورَةِ الْبَقَرَةِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ {حم} اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْشَدُوا فِي ذَلِكَ (2)
يُذَكِّرُني حامِيمَ والرمحُ شَاجر ... فَهَلا تَلَا حَاميمَ قَبْل التَّقدُّمِ ...
وَقَدْ وَرَدَ (3) فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرة قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنْ بَيَّتم اللَّيْلَةَ فَقُولُوا: حم، لَا يُنْصَرُونَ" وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ (4) .
وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنْ يُروى: "فَقُولُوا: حم، لَا يُنْصَرُوا" أَيْ: إِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ لَا يُنْصَرُوا، جَعَلَهُ جَزَاءً لِقَوْلِهِ: فَقُولُوا.
وَقَوْلُهُ: {تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} أَيْ: تَنْزِيلُ هَذَا الْكِتَابِ -وَهُوَ الْقُرْآنُ-مِنَ اللَّهِ ذِي الْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ، فَلَا يُرَامُ جَنَابُهُ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ الذَّرُّ وَإِنْ تَكَاثَفَ حِجَابُهُ.
وَقَوْلُهُ: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} أَيْ: يَغْفِرُ مَا سَلَفَ مِنَ الذَّنْبِ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وخَضَع لَدَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: {شَدِيدُ الْعِقَابِ} أَيْ: لِمَنْ تَمَرَّدَ وَطَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَعَتَا عَنْ (5) أَوَامِرِ اللَّهِ، وَبَغَى [وَقَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ] (6) . وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ} [الْحِجْرِ: 49،50] يَقْرِنُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ كَثِيرًا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ؛ لِيَبْقَى الْعَبْدُ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ.
وَقَوْلُهُ: {ذِي الطَّوْلِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي: السَّعَةَ وَالْغِنَى. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ.
وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الأصم: {ذِي الطَّوْلِ} يعني: الخير الكثير.
__________
(1) سنن الترمذي برقم (2879) .
(2) البين في تفسير الطبري (24/26) وفي صحيح البخاري (8/553) "فتح" منسوبا إلى شريح بن أوفى العبسي.
(3) في أ: "روى".
(4) سنن أبي داود برقم (2597) وسنن الترمذي برقم (1682) .
(5) في أ: "على".
(6) زيادة من أ.

الصفحة 127