كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

تَجُوُّزًا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْمَعَارِيضِ فِي الْكَلَامِ لِمَقْصِدٍ شَرْعِيٍّ دِينِيٍّ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ [فِي] (1) الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ" (2)
وَقَالَ (3) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَة (4) ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلِمَاتِ إِبْرَاهِيمَ الثَّلَاثِ التي قال: "ما منها كلمة إلا ما حمل بِهَا عَنْ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} ، وَقَالَ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} ، وَقَالَ لِلْمَلِكِ حِينَ أَرَادَ الْمَرْأَةَ: هِيَ أُخْتِي" (5) .
قَالَ سُفْيَانُ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي سَقِيمٌ} يَعْنِي: طَعِينٌ. وَكَانُوا يَفِرُّونَ مِنَ الْمَطْعُونِ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْلُوَ بِآلِهَتِهِمْ. وَكَذَا قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ، فَقَالُوا لَهُ وَهُوَ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ: اخْرُجْ. فَقَالَ: إِنِّي مَطْعُونٌ، فَتَرَكُوهُ مَخَافَةَ الطَّاعُونِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: رَأَى نَجْمًا طَلَعَ فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} كَابَدَ نَبِيُّ اللَّهِ عَنْ دِينِهِ (6) {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} .
وَقَالَ آخَرُونَ: فَقَالَ (7) : {إِنِّي سَقِيمٌ} بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يُسْتَقْبَلُ، يَعْنِي: مَرَضَ الْمَوْتِ.
وَقِيلَ: أَرَادَ {إِنِّي سَقِيمٌ} أَيْ: مَرِيضُ الْقَلْبِ مِنْ عِبَادَتِكُمُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: خَرَجَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى عِيدِهِمْ، فَأَرَادُوهُ عَلَى الْخُرُوجِ، فَاضْطَجَعَ عَلَى ظَهْرِهِ وَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ فِي السَّمَاءِ فَلَمَّا خَرَجُوا أَقْبَلَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَكَسَرَهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أَيْ: إِلَى عِيدِهِمْ، {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} أَيْ: ذَهَبَ إِلَيْهَا بَعْدَ أَنْ خَرَجُوا فِي سُرْعَةٍ وَاخْتِفَاءٍ، {فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ وَضَعُوا بَيْنَ أَيْدِيهَا طَعَامًا قُرْبَانًا لتُبرّك لَهُمْ فِيهِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ، فَإِذَا هُمْ (8) فِي بَهْوٍ عَظِيمٍ، وَإِذَا مُسْتَقْبِلُ بَابِ الْبَهْوِ صَنَمٌ عَظِيمٌ، إِلَى جَنْبِهِ [صَنَمٌ آخَرُ] (9) أَصْغَرُ مِنْهُ، بَعْضُهَا إِلَى جَنْبِ بَعْضٍ، كُلُّ صَنَمٍ يَلِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ، حَتَّى بَلَغُوا بَابَ الْبَهْوِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا وَضَعُوهُ بَيْنَ أَيْدِي الْآلِهَةِ، وَقَالُوا: إِذَا كَانَ حِينَ نَرْجِعُ وَقَدْ بَرَكَت الآلهةُ فِي طَعَامِنَا أَكَلْنَاهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ والسلام، إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: {أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} ؟!
__________
(1) زيادة من ت، س، أ.
(2) رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/199) من طريق داود بن الزبرقان عن سعيد عن قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين مرفوعا. ورواه أيضا من طريق عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قتادة عن مطرف عن عمران بن الحصين موقوفا وقال: "هذا هو الصحيح موقوفا".
(3) في ت: "وروى".
(4) في ت: "بإسناده".
(5) ورواه الترمذي في السنن برقم (3148) حدثنا ابن أبي عمر عن سفيان به فذكر حديث الشفاعة مطولا، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح" وعلي بن زيد بن جدعان أجمع الأئمة على ضعفه.
(6) في ت، أ: "ذنبه".
(7) في ت، س: "أراد".
(8) في أ: "هن".
(9) زيادة من ت، أ.

الصفحة 25