كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

تَفْسِيرُ سُورَةِ الصَّافَّاتِ
[وَهِيَ] (1) مَكِّيَّةٌ.
قَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ -يَعْنِي ابْنَ الْحَارِثِ-عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: أخبرني بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا (2) بِالتَّخْفِيفِ، وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ. تَفَرَّدَ بِهِ النَّسَائِيُّ (3) .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4) رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5) }
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} وَهِيَ: الْمَلَائِكَةُ، {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} وَهِيَ: الْمَلَائِكَةُ، {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} هِيَ: الْمَلَائِكَةُ.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمَسْرُوقٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وعِكْرِمة، وَمُجَاهِدٌ، والسُّدِّيّ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ.
قَالَ قَتَادَةُ: الْمَلَائِكَةُ صُفُوفٌ فِي السَّمَاءِ.
وَقَالَ (4) مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَة، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْل، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "فُضِّلنا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعلت صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا (5) وجُعلت لَنَا تُربتها (6) طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ" (7) .
وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المُسَيَّب بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفة، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم "ألا تَصُفّون كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ " قُلْنَا: وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهِمْ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُتِمون الصُّفُوفَ الْمُتَقَدِّمَةَ ويَتَراصون فِي الصَّفِّ" (8) .
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: مَعْنَى قَوْلِهِ {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} أَنَّهَا تَزْجُرُ السَّحَابَ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} : مَا زَجَرَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقُرْآنِ. وَكَذَا رَوَى مَالِكٌ، عَنْ زيد بن أسلم.
__________
(1) زيادة من ت، س.
(2) في ت: "يأمر".
(3) سنن النسائي (2/95) .
(4) في ت: "وروى".
(5) في س: "مسجدا وطهورا".
(6) في ت، س: "تربتها لنا".
(7) صحسح مسلم برقم (522) .
(8) صحيح مسلم برقم (430) وسنن أبي داود برقم (661) وسنن النسائي (2/92) وسنن ابن ماجه برقم (922) .
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْحَدِيدِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنِي بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَان، عن بن أَبِي بِلَالٍ، عَنْ عِرْبَاض بْنِ سَارِيَةَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ، وَقَالَ: "إِنَّ فِيهِنَّ آيَةً أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ آيَةٍ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ بَقِيَّةَ، بِهِ (1) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي السَّرْحِ، عَنِ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فَذَكَرُهُ مُرْسَلا لَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بِلَالٍ، وَلَا الْعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ (2)
وَالْآيَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ هِيَ-وَاللَّهُ أَعْلَمُ-قَوْلُهُ: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَبِهِ الثِّقَةُ (3)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ مَا في السموات وَالْأَرْضِ أَيْ: مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 44] .
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ} أَيِ: الَّذِي قَدْ خَضَعَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ {الْحَكِيمُ} فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَشَرْعِهِ
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ} أَيْ: هُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ فَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيُعْطِي مَنْ يَشَاءُ مَا يَشَاءُ، {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أَيْ: مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.
وَقَوْلُهُ: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: أَنَّهَا أَفْضَلُ من ألف آية.
__________
(1) المسند (4/128) وسنن أبي داود برقم (5057) وسنن الترمذي برقم (3406) وسنن النسائي الكبرى برقم (8026)
(2) سنن النسائي الكبرى برقم (10551) .
(3) في م، أ: "سيأتي بيانه قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل".

الصفحة 5