كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ، مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عيسى بن الطباع، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} شِقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، بَلْ أَنْتُمْ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ -أَوْ: شَطْرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ-وَتُقَاسِمُونَهُمُ النِّصْفَ الثَّانِي".
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ، بَيَّاعِ الْمِلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَذَكَرَهُ (1) . وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوُ هَذَا، وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ رَوَيْمٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ} ، ذُكِرَ فِيهَا {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَّا؟ قَالَ: فَأُمْسِكَ آخِرُ السُّورَةِ سَنَةً، ثُمَّ نَزَلَ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عُمَرُ، تَعَالَ فَاسْمَعْ مَا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} ، أَلَا وَإِنَّ مِنْ آدَمَ إليَّ ثُلَّةً، وَأُمَّتِي ثُلَّةٌ، وَلَنْ نَسْتَكْمِلَ ثُلَّتَنَا حَتَّى نَسْتَعِينَ بِالسُّودَانِ مِنْ رُعَاةِ الْإِبِلِ، مِمَّنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ".
هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَةِ "عُرْوَةَ بْنِ رَوَيْمٍ" (2) ، إِسْنَادًا وَمَتْنًا، وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ. وَقَدْ وَرَدَتْ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ" الْحَدِيثُ بِتَمَامِهِ (3) ، وَهُوَ مُفْرَدٌ فِي "صِفَةِ الْجَنَّةِ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا، فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ هِيَ خَيْرُ الْأُمَمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرَّبُونَ فِي غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَابَلَ مَجْمُوعُ الْأُمَمِ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي هَذَا الْمَقَامِ، هُوَ الرَّاجِحُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ} أَيْ: مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ} أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ (4) الْمُزَنِيُّ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ: أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} فَقَالَ: أَمَّا السَّابِقُونَ، فَقَدْ مَضَوْا، وَلَكِنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا السُّرِّيّ بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأَ الْحَسَنُ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ} ثُلَّةٌ مِمَّنْ مَضَى من هذه الأمة.
__________
(1) المسند (2/391) .
(2) تاريخ دمشق لابن عساكر (11/ق279) "مصورة معهد المخطوطات".
(3) منها حديث عمران بن حصين، أخرجه الترمذي في السنن برقم (3168) وحديث عبد الله بن مسعود، أخرجه أحمد في المسند (1/420) .
(4) في أ: "بكير" وفي م: "أبي بكر".

الصفحة 518