كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

وَهَذَا مَعْنًى حَسَنٌ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ. نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ. نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فُصِّلَتْ: 30-32] .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: {فَسَلامٌ لَكَ} أَيْ: مُسلم لَكَ، أَنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَأُلْغِيَتْ "إِنَّ" (1) وَهُوَ: مَعْنَاهَا، كَمَا تَقُولُ: أَنْتَ مُصَدق مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ. إِذَا كَانَ قَدْ قَالَ: إِنِّي مُسَافِرٌ عَنْ قَلِيلٍ. وَقَدْ يَكُونُ كَالدُّعَاءِ لَهُ، كَقَوْلِكَ: سَقْيًا لَكَ مِنَ الرِّجَالِ، إِنْ رَفَعْتَ "السَّلَامَ" فَهُوَ مِنَ الدُّعَاءِ (2) .
وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ هَكَذَا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَمَالَ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (3) .
وَقَوْلُهُ: {وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ. فَنزلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أَيْ: وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُحْتَضَرُ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْحَقِّ، الضَّالِّينَ عَنِ الْهُدَى، {فَنزلٌ} أَيْ: فَضِيَافَةٌ {مِنْ حَمِيمٍ} وَهُوَ الْمُذَابُ الَّذِي يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ، {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} أَيْ: وَتَقْرِيرٌ لَهُ فِي النَّارِ الَّتِي تَغْمُرُهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} أَيْ: إِنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَا مَحِيدَ لِأَحَدٍ عَنْهُ.
{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قَالَ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ الْغَافِقِيِّ، حَدَّثَنِي عمِّي إِيَاسُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قَالَ: "اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ" وَلَمَّا نَزَلَتْ: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} [الْأَعْلَى:1] ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ".
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ، بِهِ (4) .
وَقَالَ رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ الصَّوافُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ".
هَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَوْحٍ (5) ، وَرَوَاهُ هُوَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (6) ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزبير.
__________
(1) في م: "من".
(2) صحيح البخاري (8/625) "فتح".
(3) تفسير الطبري (27/123) .
(4) المسند (4/155) وسنن أبي داود برقم (2869) وسنن ابن ماجه برقم (887) .
(5) سنن الترمذي برقم (3464) .
(6) سنن الترمذي برقم (3465) وسنن النسائي الكبرى برقم (10663) لكن النسائي رواه من طريق حماد بن سلمة عن حجاج الصواف، عن أبي الزبير خلافا للترمذي، فإنه لم يذكر في هذه الرواية حجاج الصواف فليتنبه.

الصفحة 551