كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ -أَوْ خَيْبَرَ-وَفِي سَهْوَتِهَا سَتْرٌ فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السَّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ -لُعَب-فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ " قَالَتْ: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ (1) جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ: "مَا هَذَا (2) الَّذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟ " قَالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: "وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ " قَالَتْ: جَنَاحَانِ قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟! " قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (3)
وَقَوْلُهُ: {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} (4) ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِعَرْضِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُ (5) صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا عَمْدًا بَلْ نِسْيَانًا كَمَا شُغِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ (6) وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، مِنْ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا" فَقَالَ: (7) فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَان فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا (8) لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ (9)
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ (10) سَائِغًا فِي مِلَّتِهِمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ الْغَزْوِ وَالْقِتَالِ. وَالْخَيْلُ تُرَادُ لِلْقِتَالِ. وَقَدِ ادَّعَى طَائِفَةٌ (11) مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْرُوعًا فَنُسِخَ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ وَالْمُضَايَقَةِ، حَيْثُ لَا يُمْكِنُ صَلَاةٌ وَلَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي فَتْحِ تُسْتَرَ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالْأَوَّلُ أُقَرَبُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهَا: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ}
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا تَشْغَلِينِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي آخِرَ مَا (12) عَلَيْكِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُقِرَتْ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: ضَرَبَ أَعْنَاقَهَا وَعَرَاقِيبَهَا بِالسُّيُوفِ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَعَلَ يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ، وَعَرَاقِيبُهَا حِبَالُهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبَ حَيَوَانًا بِالْعَرْقَبَةِ وَيُهْلِكَ مَالًا مِنْ مَالِهِ بِلَا سَبَبٍ سِوَى أَنَّهُ اشْتَغَلَ عَنْ صِلَاتِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَلَا ذَنْبَ لَهَا. وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي شَرْعِهِمْ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ غَضَبًا لله عز وجل بسبب أنه
__________
(1) في أ: "لها".
(2) في أ: "ما هذا يا عائشة".
(3) سنن أبي داود برقم (4932) .
(4) في ت، س: "قال".
(5) في ت، أ: "عن وقت".
(6) في أ: "المغرب".
(7) في ت: "قال".
(8) في ت: "فتوضأنا".
(9) صحيح البخاري برقم (4112) وصحيح مسلم برقم (631) .
(10) في أ: "ادعى هذا طائفة".
(11) في س، أ: "أنه قد كان".
(12) في أ: "أحر ما".
الصفحة 65