كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

زَعَمَ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ. قَالَ: فَأَعْطَوْهُ سَمَكَتَيْنِ مِمَّا قَدْ مَذِرَ عِنْدَهُمْ فَلَمْ يَشْغَلْهُ مَا كَانَ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ حَتَّى قَامَ إِلَى شَطِّ الْبَحْرِ فَشَقَّ بُطُونَهُمَا فَجَعَلَ يَغْسِلُ [دَمَهُ] (1) فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِ إِحْدَاهُمَا فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بَهَاءَهُ وَمُلْكَهُ، وَجَاءَتِ الطَّيْرُ حَتَّى حَامَتْ عَلَيْهِ فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَامَ الْقَوْمُ يَعْتَذِرُونَ مِمَّا صَنَعُوا [بِهِ] (2) فَقَالَ: مَا أَحْمَدُكُمْ عَلَى عُذْرِكُمْ وَلَا أَلُومُكُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ، كَانَ هَذَا الْأَمْرُ لَا بُدَّ مِنْهُ. قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى أَتَى مُلْكَهُ وَأَرْسَلَ إِلَى الشَّيْطَانِ فَجِيءَ بِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَجُعِلَ فِي صُنْدُوقٍ مِنْ حَدِيدٍ، ثُمَّ أَطْبَقَ عَلَيْهِ وَقَفَلَ عَلَيْهِ بِقُفْلٍ وَخَتَمَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُلْقِي فِي الْبَحْرِ فَهُوَ فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. وَكَانَ اسْمُهُ حبقيقُ قَالَ: وَسَخَّرَ (3) لَهُ الرِّيحَ وَلَمْ تَكُنْ سُخِّرَتْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (4)
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قَالَ: شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ: آصِفُ. فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: كَيْفَ تَفْتِنُونَ النَّاسَ؟ قَالَ: أَرِنِي خَاتَمَكَ أُخْبِرْكَ. فَلَمَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ نَبَذَهُ آصِفُ فِي الْبَحْرِ فَسَاحَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ مُلْكُهُ، وَقَعَدَ آصِفُ عَلَى كُرْسِيِّهِ وَمَنَعَهُ اللَّهُ نِسَاءَ سُلَيْمَانَ فَلَمْ يَقْرَبْهُنَّ -وَلَمْ يَقْرَبْنَهُ وَأَنْكَرْنَهُ. قَالَ: فَكَانَ سُلَيْمَانُ يَسْتَطْعِمُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُونِي؟ أَطْعِمُونِي أَنَا سُلَيْمَانُ فَيُكَذِّبُونَهُ، حَتَّى أَعْطَتْهُ امْرَأَةٌ يَوْمًا حُوتًا فَجَعَلَ يُطَيِّبُ بَطْنَهُ، فَوَجَدَ خَاتَمَهُ فِي بَطْنِهِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ مُلْكُهُ وَفَرَّ آصِفُ فَدَخَلَ الْبَحْرَ فَارًّا.
وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَمِنْ أَنْكَرِهَا مَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشِ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (5) {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} قَالَ: أَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ فَأَعْطَى الْجَرَادَةَ خَاتَمَهُ -وَكَانَتِ الْجَرَادَةُ (6) امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ أَحَبَّ نِسَائِهِ إِلَيْهِ-فَجَاءَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي. فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ. فَلَمَّا لَبِسَهُ دَانَتْ لَهُ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ (7) وَالشَّيَاطِينُ فَلَمَّا خَرَجَ سُلَيْمَانُ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ لَهَا: هَاتِي خَاتَمِي. قَالَتْ: قَدْ أَعْطَيْتُهُ سُلَيْمَانَ. قَالَ: أَنَا سُلَيْمَانُ. قَالَتْ: كَذَبْتَ لَسْتَ سُلَيْمَانَ (8) فَجَعَلَ لَا يَأْتِي أَحَدًا يَقُولُ لَهُ: "أَنَا سُلَيْمَانُ"، إِلَّا كَذَّبَهُ حَتَّى جَعَلَ (9) الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَرَف أَنَّهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: وَقَامَ الشَّيْطَانُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى سُلَيْمَانَ سُلْطَانَهُ أَلْقَى فِي قُلُوبِ النَّاسِ إِنْكَارَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ. قَالَ: فَأَرْسَلُوا إِلَى نِسَاءِ سُلَيْمَانَ فَقَالُوا لَهُنَّ: أَتُنْكِرْنَ مِنْ سُلَيْمَانَ شَيْئًا؟ قُلْنَ: نَعَمْ إِنَّهُ يَأْتِينَا وَنَحْنُ حُيَّضٌ وَمَا كَانَ يَأْتِينَا قَبْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أَنَّهُ قَدْ فَطِنَ لَهُ (10) ظَنَّ أَنَّ أَمْرَهُ قَدِ انْقَطَعَ فَكَتَبُوا كُتُبًا فِيهَا سِحْرٌ وَكُفْرٌ، فَدَفَنُوهَا تَحْتَ كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَثَارُوهَا وقرءوها على الناس. وقالوا:
__________
(1) زيادة من أ.
(2) زيادة من أ.
(3) في ت، أ: "وسخرت".
(4) تفسير الطبري (23/101) .
(5) زيادة من أ.
(6) في ت: "جرادة".
(7) في أ: "والجن والطير".
(8) في ت: "بسليمان".
(9) في أ: "جاء".
(10) في ت: "أنه فطن له".

الصفحة 68