كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ: هُوَ اللَّزِجُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِي يَلْزَقُ بِالْيَدِ.
وَقَوْلُهُ: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} أَيْ: بَلْ عَجِبْتَ -يَا مُحَمَّدُ-مِنْ تَكْذِيبِ هَؤُلَاءِ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ، وَأَنْتَ مُوقِنٌ مُصَدِّقٌ بِمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَمْرِ الْعَجِيبِ، وَهُوَ إِعَادَةُ الْأَجْسَامِ بَعْدَ فَنَائِهَا. وَهُمْ بِخِلَافِ أَمْرِكَ، مِنْ شِدَّةِ تَكْذِيبِهِمْ يَسْخَرُونَ مِمَّا تَقُولُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ قَتَادَةُ: عَجِبَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسَخِر ضُلال بَنِي آدَمَ. {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} أَيْ: دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى ذَلِكَ {يَسْتَسْخِرُونَ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: يَسْتَهْزِئُونَ.
{وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} أَيْ:إِنْ هَذَا الَّذِي جِئْتَ بِهِ إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ، {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ} يَسْتَبْعِدُونَ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُونَ بِهِ، {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} أَيْ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: نَعَمْ تُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَعْدَ مَا تَصِيرُونَ تُرَابًا وَعِظَامًا، {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} أَيْ: حَقِيرُونَ تَحْتَ الْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النَّمْلِ:87] ، وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غَافِرٍ:60] .
ثُمَّ قَالَ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} أَيْ: إِنما هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَدْعُوهُمْ دَعْوَةً وَاحِدَةً أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ [قِيَامٌ] (1) بَيْنَ يَدَيْهِ، يَنْظُرُونَ إِلَى أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) }
__________
(1) زيادة من ت، س، أ.
{مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قِيلِ الْكَفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ، وَيَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ (1) كَانُوا ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمْ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا، فَإِذَا عَايَنُوا أَهْوَالَ الْقِيَامَةِ نَدمُوا كلَّ النَّدَمِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمُ النَّدَمُ، {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} . فَتَقُولُ لَهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} . وَهَذَا يُقَالُ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ أَنْ تُميزَ الْكُفَّارَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمَوْقِفِ فِي مَحْشَرِهِمْ وَمَنْشَرِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} قَالَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ (2) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَعْنِي بِأَزْوَاجِهِمْ أَشْبَاهَهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وسعيد
__________
(1) في ت: "أنهم".
(2) في أ: "بشر".
وَرَوَاهُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرِ بن أَبِي حَاتِمٍ آخِرَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: "لَوْ دَلَّيْتُمْ بِحَبْلٍ"، وَإِنَّمَا قَالَ: "حَتَّى عَدّ سَبْعَ أَرَضِينَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ"، ثُمَّ تَلَا {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أبو هريرة.
ورواه بن جَرِيرٍ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ ثَارَ عَلَيْهِمْ سَحَابٌ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ " (1) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ سِيَاقِ التِّرْمِذِيِّ سَوَاءً، إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍ الْغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (2) وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ، وَفِي مَتْنِهِ غَرَابَةٌ وَنَكَارَةٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطَّلَاقِ "12"] حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْتَقَى أَرْبَعَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَرْسَلَنِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَتَرَكْتُهُ ثَمّ، قَالَ الْآخَرُ: أَرْسَلَنِي رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَرْضِ السَّابِعَةِ وَتَرَكْتُهُ ثَمّ، قَالَ الْآخَرُ: أَرْسَلَنِي رَبِّي مِنَ الْمَشْرِقِ وَتَرَكْتُهُ ثَمّ، قَالَ الْآخَرُ: أَرْسَلَنِي رَبِّي مِنَ الْمَغْرِبِ وَتَرَكْتُهُ ثَمّ (3)
وَهَذَا [حَدِيثٌ] (4) غَرِيبٌ جِدًّا، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ موقوفًا على قتادة كما روي هاهنا من قوله، والله أعلم.
__________
(1) تفسير الطبري (27/124) .
(2) الأسماء والصفات للبيهقي (ص 506) من طريق أحمد بن عبد الجبار، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي نصر، عن أبي ذر، ومن طريق البيهقي رواه الجوزقاني في الأباطيل (1/68) وقال: "هذا حديث منكر"
(3) تفسير الطبري (28/99) .
(4) زيادة من م.

الصفحة 8