كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) } .
يَقُولُ تَعَالَى: أَفَمَنْ كَتَبَ اللَّهُ أَنَّهُ شَقِي تَقْدر تُنْقذُه مِمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الضَّلَالِ وَالْهَلَاكِ؟ أَيْ: لَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَمَنْ يَهْدِهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ.
ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ عِبَادِهِ السُّعَدَاءِ أَنَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْقُصُورُ الشَّاهِقَةُ {مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ} ، أَيْ: طِبَاقٌ فَوْقَ طِبَاقٍ، مَبْنيات مُحَكَمَاتٌ مُزَخْرَفَاتٌ عَالِيَاتٌ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى بُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، وَظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا" فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ (1) ، وَقَالَ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ مِنْ قبَل حِفْظِهِ".
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ابْنِ مُعانق -أَوْ: أَبِي مُعَانق -عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرْفَةً (2) يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى وَالنَّاسُ نِيَامٌ".
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَانق الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، بِهِ.
وَقَالَ (3) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ (4) ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ الْغُرْفَةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ فِي السَّمَاءِ". قَالَ: فحدثتُ بِذَلِكَ النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: "كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ (5) فِي الْأُفُقِ الشَّرْقِيِّ أَوِ الْغَرْبِيِّ".
أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ (6) ، وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (7) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا فَزارة، أَخْبَرَنِي فُلَيح، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الْجَنَّةِ أَهْلَ الْغُرَفِ، كَمَا تَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَارِبَ فِي الْأُفُقِ الطَّالِعِ، فِي تَفَاضُلِ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ؟ فَقَالَ: "بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الرسل".
__________
(1) زوائد عبد الله على المسند (1/155) وسنن الترمذي برقم (1984) .
(2) في س، أ: "غرفة".
(3) في ت: "وروى".
(4) في ت: "بإسناده".
(5) في س، أ: "الذي".
(6) المسند (5/340) وصحيح البخاري برقم (6555) وصحيح مسلم برقم (2830) .
(7) صحيح البخاري برقم (6556) وصحيح مسلم برقم (2831) .
الصفحة 91