كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 7)

وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (1) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} يَقُولُ: يُخَاصِمُ الصَّادِقُ الْكَاذِبَ، وَالْمَظْلُومُ الظَّالِمَ، وَالْمَهْدِيُّ الضَّالَّ، وَالضَّعِيفُ الْمُسْتَكْبِرَ. (2) .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ "الرُّوحِ"، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَخْتَصِمُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى تَخْتَصِمَ الرُّوحُ مَعَ الْجَسَدِ، فَتَقُولُ الرُّوحُ لِلْجَسَدِ: أَنْتَ فَعَلْتَ. وَيَقُولُ الْجَسَدُ لِلرُّوحِ: أَنْتِ أَمَرْتِ، وَأَنْتِ سَوَّلْتِ. فَيَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، فَيَقُولُ [لَهُمَا] (3) إِنْ مَثَلَكُمَا كَمَثَلِ رَجُلٍ مُقْعَدٍ بَصِيرٍ وَالْآخَرُ ضَرِيرٌ، دَخَلَا بُسْتَانًا، فَقَالَ الْمُقْعَدُ لِلضَّرِيرِ: إِنِّي أَرَى هَاهُنَا ثِمَارًا، وَلَكِنْ لَا أَصِلُ إِلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ الضَّرِيرُ: ارْكَبْنِي فَتَنَاوَلْهَا، فَرَكِبَهُ فَتَنَاوَلَهَا، فَأَيُّهُمَا الْمُعْتَدِي؟ فَيَقُولَانِ: كِلَاهُمَا. فَيَقُولُ لَهُمَا الْمَلَكُ. فَإِنَّكُمَا قَدْ حَكَمْتُمَا عَلَى أَنْفُسِكُمَا. يَعْنِي: أَنَّ الْجَسَدَ لِلرُّوحِ كَالْمَطِيَّةِ، وَهُوَ رَاكِبُهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَوْسَجة، حَدَّثَنَا ضِرَارٌ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْخُزَاعِيُّ مَنْصُورُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْقُمِّيُّ -يَعْنِي يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ-عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ (4) [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] (5) قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَمَا نَعْلَمُ فِي أَيِّ شَيْءٍ نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [قَالَ] (6) قُلْنَا: مَنْ نُخَاصِمُ؟ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُومَةٌ، فَمَنْ نُخَاصِمُ؟ حَتَّى وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَذَا الَّذِي وَعَدَنَا رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-نَخْتَصِمُ فِيهِ.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ سَلَمَةَ، بِهِ (7) .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ [فِي قَوْلِهِ] (8) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الْقِبْلَةِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: يَعْنِي أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلَ الْكُفْرِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْعُمُومُ، والله أعلم.
__________
(1) في ت: "عنه".
(2) في أ: "المتكبر".
(3) زيادة من أ.
(4) في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده إلى ابن عمر".
(5) زيادة من أ.
(6) زيادة من أ.
(7) النسائي في السنن الكبرى برقم (11447) .
(8) زيادة من ت، أ.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35) } .
يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ، وَجَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى، وَادَّعَوْا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، وَجَعَلُوا لِلَّهِ وَلَدًا -تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا-وَمَعَ هَذَا كَذَّبُوا بِالْحَقِّ إِذْ جَاءَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِ اللَّهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ [وَسَلَامُهُ] (1) عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أَيْ: لَا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ طرفي الباطل،
__________
(1) زيادة من أ.

الصفحة 98