كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 8)

بِهَا الْمُنَافِقِينَ (1) حَيْثُ قَالَ: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النِّسَاءِ:142] . فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِّمَ فِيهِ النُّورُ، فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا فَيَنْصَرِفُونَ إِلَيْهِمْ وَقَدْ ضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ، {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} الْآيَةَ. يَقُولُ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَمَا يَزَالُ الْمُنَافِقُ مُغْتَرًّا حَتَّى يُقَسَّمَ النُّورُ، وَيُمَيِّزَ اللَّهُ بَيْنَ والمؤمن المنافق.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حَيْوَةَ، حَدَّثَنَا أَرْطَأَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: تُبْعَثُ ظُلْمَةٌ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ يَرَى كَفَّهُ، حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ بِالنُّورِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَيَتْبَعُهُمُ الْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُونَ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} .
وَقَالَ العَوْفي، وَالْضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَيْنَمَا النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ نُورًا فَلَمَّا رَأْي الْمُؤْمِنُونَ النُّورَ تَوَجَّهُوا نَحْوَهُ، وَكَانَ النُّورُ (2) دَلِيلًا مِنَ اللَّهِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الْمُؤْمِنِينَ قَدِ انْطَلَقُوا اتَّبَعُوهُمْ، فَأَظْلَمَ اللَّهُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، فَقَالُوا حِينَئِذٍ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} فَإِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا. قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {ارْجِعُوا} مِنْ حَيْثُ جِئْتُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ، فَالْتَمِسُوا هُنَالِكَ النُّورَ.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلَّوَيْهِ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عِيسَى الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ بِشْرٍ أَبُو (3) حُذَيْفَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِهِمْ سِتْرًا مِنْهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا، وَكُلَّ مُنَافِقٍ نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التَّحْرِيمِ: 8] . فَلَا يَذْكُرُ عِنْدَ ذَلِكَ أَحَدٌ أَحَدًا" (4) وَقَوْلُهُ: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: هُوَ حَائِطٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ النَّارِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} [الْأَعْرَافِ: 46] . وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
{بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} أَيِ: الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا {وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} أَيِ: النَّارُ. قَالَهُ قتادة، وبن زيد، وغيرهما.
قال بن جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ السُّورَ سورُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ وَادِي جَهَنَّمَ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْبَرْقِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ، عن أبي العوام-
__________
(1) في م: "المنافقون" وهو خطأ.
(2) في م، أ: "النور لهم".
(3) في م، أ، هـ: "ابن"، والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير.
(4) المعجم الكبير (11/122) وقال الهيثمي في المجمع (10/395) : "فيه إسحاق بن بشر وهو متروك".

الصفحة 17