كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 8)

حدثني صالح ابن حَرْبٍ أَبُو مَعْمَر، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا ابْنِ عَجْلان عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مُؤْمِنُو أُمَّتِي شُهَدَاءُ". قَالَ: ثُمَّ تَلَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ [لَهُمْ أَجْرُهُمْ] } (1) هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (2)
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} قَالَ: يجيؤون يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعًا كَالْإِصْبَعَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: {وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْر تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ اطِّلَاعَةً فَقَالَ: مَاذَا تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُحِبُّ أَنْ تَرُدَّنَا إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا فَنُقَاتِلَ فِيكَ فَنَقْتُلَ كَمَا قُتِلنا أَوَّلَ مَرَّةٍ. فَقَالَ إِنِّي قَضَيْتُ أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ" (3)
وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} أَيْ: لَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَجْرٌ جَزِيلٌ وَنُورٌ عَظِيمٌ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَتَفَاوَتُونَ بِحَسَبِ مَا كَانُوا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا مِنَ الْأَعْمَالِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أحمد:
حدثنا يحيى ابن إسحاق، حدثنا بن لَهِيعَة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيد يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ، لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ فَقُتِلَ، فَذَلِكَ (4) الَّذِي يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهِ هَكَذَا-وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى سَقَطَتْ قَلَنْسُوة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَ قَلَنْسُوَةُ عُمَرَ-وَالثَّانِي مُؤْمِنٌ (5) لَقِيَ الْعَدُوَّ فَكَأَنَّمَا يَضْرِبُ ظَهْرَهُ بِشَوْكِ الطَّلْحِ، جَاءَهُ سَهْمٌ غَرْب فَقَتَلَهُ، فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثُ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ، فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ، وَالرَّابِعُ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ إِسْرَافًا كَثِيرًا، لَقِيَ الْعَدُوَّ فَصَدَقَ اللَّهَ حَتَّى قُتِلَ، فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ". (6)
وَهَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَة، وَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ مِصْرِيٌّ صَالِحٌ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ (7)
وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} لَمَّا ذَكَرَ السُّعَدَاءَ وَمَآلَهُمْ، عَطَفَ بِذِكْرِ الأشقياء وبين حالهم.
__________
(1) زيادة من م.
(2) تفسير الطبري (27/133) .
(3) صحيح مسلم برقم (1887) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولم أقع عليه عند البخاري.
(4) في م: "فذاك".
(5) في أ: "رجل".
(6) المسند (1/23) .
(7) سنن الترمذي برقم (1644) .

الصفحة 23