كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 8)

أَبُو يَعْلَى، وَسَنَدُهُ (1) عَنْ شَيْبَانَ بْنِ فَرُّوخ، عَنِ الصَّعِق بْنِ حَزْن، بِهِ مِثْلُ ذَلِكَ (2) فَقَوِيَ الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ-وَاللَّفْظُ لَهُ-: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْث، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (3) قَالَ: كَانَ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَدَّلَتِ التَّوْرَاةَ والإنجيل، فكان منهم مؤمنون يقرؤون التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، فَقِيلَ لِمُلُوكِهِمْ: مَا نَجِدُ شَيْئًا أشد من شتم يشتمونا هؤلاء، إنهم يقرؤون: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [الْمَائِدَةِ: 44] ، هَذِهِ (4) الْآيَاتُ، مَعَ مَا يَعِيبُونَنَا بِهِ مِنْ أَعْمَالِنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ، فَادْعُهُمْ فليقرؤوا كَمَا نَقْرَأُ، وَلِيُؤْمِنُوا كَمَا آمَنَّا. فَدَعَاهُمْ فَجَمَعَهُمْ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، إِلَّا مَا بَدَّلُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ؟ دَعُونَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْطُونَا شَيْئًا نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا فَلَا نَرُدُّ عَلَيْكُمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَنَهِيمُ وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي، وَنَحْتَفِرُ الْآبَارَ وَنَحْتَرِثُ (5) الْبُقُولَ فَلَا نَرُدُّ عَلَيْكُمْ وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ. وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَبَائِلِ إِلَّا لَهُ حَمِيمٌ فِيهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} وَالْآخَرُونَ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ، وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ (6) فَلَمَّا بُعث النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ، انْحَطَّ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَجَاءَ سَائِحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَصَاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ، فَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، فَقَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} أَجْرَيْنِ بِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَبِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِهِمْ قَالَ (7) {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} [الْحَدِيدِ: 28] : الْقُرْآنَ، وَاتِّبَاعَهُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} الَّذِينَ يَتَشَبَّهُونَ بِكُمْ {أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (8)
هَذَا السِّيَاقُ فِيهِ غَرَابَةٌ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى غَيْرِ هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ: أَنَّ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ دَخَلَ هُوَ وأبوه على أنس بن
__________
(1) في أ: "في مسنده".
(2) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (10/272) من طريق محمد الحضرمي، عن شيبان به، ورواه الحاكم في المستدرك (2/480) من طريق عبد الرحمن بن المبارك، عن الصعق بن حزن به. قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وتعقبه الذهبي. قلت: "ليس بصحيح، فإن فيه الصعق بن حزن، عن عقيل بن يحيى، والصعق وإن كان موثقًا، فإن شيخه قال فيه البخاري: منكر الحديث".
(3) في م، أ: "عنه".
(4) في م، أ: "هؤلاء".
(5) في م: "ونحرث".
(6) في م: "به".
(7) في م: "كما قال".
(8) تفسير الطبري (27/138) وسنن النسائي (8/231) .

الصفحة 30