كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 8)
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَاليه فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ أَدَّبَ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (1)
وَوَافَقَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الضَّحَّاكُ، وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا افْتَخَرَ أهلُ الْكِتَابِ بِأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} أَيْ: ضِعْفَيْنِ، وَزَادَهُمْ: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} يَعْنِي: هُدًى يُتَبَصَّر بِهِ مِنَ الْعَمَى وَالْجَهَالَةِ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ. فَضَّلَهُمْ بِالنُّورِ وَالْمَغْفِرَةِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الْأَنْفَالِ: 29] .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَبْرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ: كَمْ أَفْضَلُ مَا ضُعِّفَتْ (2) لَكُمْ حَسَنَةٌ؟ قَالَ: كِفْلٌ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ (3) حَسَنَةً. قَالَ: فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَانَا كِفْلَيْنِ. [ثُمَّ] (4) ذَكَرَ سَعِيدٌ قَوْلَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} قَالَ سَعِيدٌ: وَالْكِفْلَانِ فِي الْجُمُعَةِ مِثْلُ ذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ (5)
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ أَلَا فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ أَلَا فَعَمِلَتِ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ؟ أَلَا فَأَنْتُمُ الَّذِي عَمِلْتُمْ. فَغَضِبَتِ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً. قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مَنْ أَجْرِكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لَا. قَالَ: فَإِنَّمَا هُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ" (6)
قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثْنَاهُ مُؤَمَّل، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، نَحْوَ حَدِيثِ نَافِعٍ، عَنْهُ (7)
انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ الْبُخَارِيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ (8) بْنِ حرب، عن حماد، [عن أيوب] (9) عن
__________
(1) صحيح البخاري برقم (97) وصحيح مسلم برقم (154) .
(2) في م: "ضعف".
(3) في م: "وخمسين".
(4) زيادة من أ.
(5) تفسير الطبري (27/141) .
(6) المسند (2/6) .
(7) المسند (2/111) .
(8) في أ: "سليم".
(9) زيادة من صحيح البخاري.
الصفحة 32
544