كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 8)

أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ. قَالَتْ: فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَا خُوَيْلَةُ (1) ابنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَاتَّقِي اللَّهَ فِيهِ". قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فيَّ الْقُرْآنُ، فَتَغَشَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: "يَا خُوَيْلَةُ (2) قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِي صَاحِبِكِ". ثُمَّ قَرَأَ عليَّ: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} قَالَتْ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُريه فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً". قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ. قَالَ: "فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ، مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ. قَالَ: "فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَسْقًا مِنْ تَمر". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا ذَاكَ عِنْدَهُ. قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بعَرَقٍ مِنْ تَمْرٍ". قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَنَا سَأُعِينُهُ بعَرَقٍ آخَرَ، قَالَ: "فَقَدْ أَصَبْتِ وأحسَنْت، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي بِهِ عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْرًا". قَالَتْ: فَفَعَلْتُ.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، بِهِ (3) وَعِنْدَهُ: خَوْلَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ، وَيُقَالُ فِيهَا: خَوْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ. وَقَدْ تُصَغَّرُ فَيُقَالُ: خُوَيلة. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، فَالْأَمْرُ فِيهَا قَرِيبٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نُزُولِ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ، فَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمة بْنِ صَخْر فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ سَبَبَ النُّزُولِ، وَلَكِنْ أَمْرٌ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، مِنَ الْعِتْقِ أَوِ الصِّيَامِ، أَوِ الْإِطْعَامِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سُلَيمان بْنِ يَسَار، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كنتُ امْرَأً قَدْ أُوتِيتُ مِنْ جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي، فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ تظهَّرت مِنَ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُصِيبَ فِي لَيْلَتِي شَيْئًا فَأُتَابِعَ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَنِي النَّهَارُ، وَأَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ، فَبَيْنَا هِيَ تَخْدِمُنِي مِنَ اللَّيْلِ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا أصبحتُ غدوتُ عَلَى (4) قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْتُ: انْطَلِقُوا مَعِي إِلَى النَّبِيِّ (5) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فَأَخْبَرَهُ بِأَمْرِي. فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ؛ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا (6) -أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتِ فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فخرجتُ حَتَّى أتيتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي. فَقَالَ لِي: "أَنْتَ بِذَاكَ". فَقُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ. فَقَالَ "أَنْتَ بِذَاكَ". فَقُلْتُ: أَنَا بِذَاكَ. قال "أنت بذاك". قلت: نعم، ها أناذا فَأَمْضِ فِيَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى (7) فَإِنِّي صَابِرٌ لَهُ. قَالَ: "أَعْتِقْ رَقَبَةً". قَالَ: فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ رَقَبَتِي (8) بِيَدِي وَقُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ غَيْرَهَا. قَالَ: "فَصُمْ شَهْرَيْنِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِي الصِّيَامِ؟ قَالَ: "فَتَصَدَّقْ". فَقُلْتُ: والذي بعثك بالحق،
__________
(1) في أ: "يا خولة".
(2) في أ: "يا خولة".
(3) المسند (6/410) وسنن أبي داود برقم (2214، 2215) .
(4) في م: "إلى"
(5) في م: "رسول الله".
(6) في أ: "فينا شيء".
(7) في م، أ: "عز وجل".
(8) في م: "عنقي".

الصفحة 36