كتاب تفسير ابن كثير ت سلامة (اسم الجزء: 8)

ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُروَى بأحسنَ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (1) .
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أَيْ: فِي عُنُقِهَا حَبْلٌ فِي نَارِ [جَهَنَّمَ] (2) تُرفَع بِهِ إِلَى شَفِيرِهَا، ثُمَّ يُرْمَى بِهَا إِلَى أَسْفَلِهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ دَائِمًا.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دَحْية فِي كِتَابِهِ التَّنْوِيرِ (3) -وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ-وعُبر بِالْمَسَدِ عَنْ حَبْلِ الدَّلْوِ، كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدَّيْنُورِيُّ فِي كِتَابِ "النَّبَاتِ": كُلُّ مَسَد: رِشَاءٌ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ:
وَبَكْرَةً ومِحْوَرًا صِرَارًا ... وَمَسَدًا مِنْ أَبَقٍ مُغَارًا ...
قَالَ: والأبقُ: القنَّبُ.
وَقَالَ الْآخَرُ:
يَا مَسَدَ الخُوص تَعَوّذْ مِنِّي ... إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنا فَإِنِّي ...
مَا شئْتَ مِنْ أشْمَطَ مُقْسَئِنّ ...
قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النُّبُوَّةِ، فَإِنَّهُ مُنْذُ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} فَأَخْبَرَ عَنْهُمَا بِالشَّقَاءِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ، لَمْ يُقَيِّضْ لَهُمَا أَنْ يُؤْمِنَا، وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، لَا مُسِرًّا وَلَا مُعْلِنًا، فَكَانَ هَذَا مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْبَاهِرَةِ عَلَى النُّبُوَّةِ الظَّاهِرَةِ.
[آخِرُ تَفْسِيرِ "تَبَّتْ" وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة] (4)
__________
(1) مسند البزار برقم (2294) "كشف الأستار"، ورواه أبو يعلى في مسنده (1/33) من طريق عبد السلام بن حرب به، وقال الهيثمي في المجمع (7/144) : "فيه عطاء بن السائب وقد اختلط".
(2) زيادة من م، أ.
(3) التنوير في مولد السراج المنير لابن دحية الكلبي، عمله لملك إربل. انظر: وفيات الأعيان (3/122) .
(4) زيادة من م، أ.

الصفحة 517