كتاب تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (اسم الجزء: 3)

{وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا عَايَنَ فِيهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَعَجَائِبِهِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ لَهُ مَعَادًا، فَهُوَ فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَعْمَى {وَأَضَلُّ سَبِيلا} أَيْ: طَرِيقًا.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا من عمى الْقلب؛ أَي: هُوَ فِي الْآخِرَةِ أَشَدُّ عَمًى وَأَضَلُّ سَبِيلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ طَرِيقا إِلَى الْهِدَايَة.
{وَإِن كَادُوا} أَي: قد كَادُوا {لَيَفْتِنُونَك} أَيْ: يَسْتَزِلُّونَكَ {عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْك} يَعْنِي: الْقُرْآنَ {لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذا لاتخذوك خَلِيلًا} لَو فعلت ذَلِك
{وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك} عَصَمْنَاكَ {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئا قَلِيلا}
{إِذا لأذقناك} لَو فعلت {ضعف الْحَيَاة} أَيْ: عَذَابُ الدُّنْيَا {وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أَيْ: عَذَابَ الْآخِرَةِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى: ضِعْفَ عَذَابِ الْحَيَاةِ، وَضِعْفَ عَذَابِ الْمَمَاتِ. قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قَوْمًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُكَلِّمُونَهُ وَيُفَخِّمُونَهُ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لَا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا ... فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ يُقَارِبُهُمْ يَلَيِنُ لَهُمْ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عصمه من ذَلِك.
{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ} يَعْنِي بِالْأَرْضِ: مَكَّةَ {لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} أَيْ: يُخْرِجُونَكَ مِنْهَا بِالْقَتْلِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ {وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ (خَلفك} إِلَّا قَلِيلا} يَعْنِي: بَعْدَكَ حَتَّى يَسْتَأْصِلَهُمْ بِالْعَذَابِ لَو قتلوك
{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ من رسلنَا} أَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ، أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ.

الصفحة 33