كتاب الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية (اسم الجزء: 2)

وكذلك حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ليس على المعتكف صيام؛ إلا أن يجعله على نفسه " (¬1) ، أخرجه الدارقطني، والحاكم، وقال: " صحيح الإسناد "، ورجح الدارقطني، والبيهقي وقفه.
وبالجملة: فلا حجة إلا في الثابت من قوله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت عنه ما يدل على أنه لا اعتكاف إلا بصوم، بل ثبت عنه ما يخالفه في نذر عمر.
وقد روى أبو داود عن عائشة مرفوعا من حديث: " ولا اعتكاف إلا بصوم ".
ورواه غيره من قولها، ورجح ذلك الحفاظ.
أقول: اعلم أن كون الشيء شرطا لشيء آخر، أو ركنا له أو فرضا من فروضه: لا يثبت إلا بدليل؛ لأنه حكم شرعي أو وضعي، ولم يأت ما يدل على أن الاعتكاف لا يكون إلا بصوم، بل ثبت الترغيب منه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف؛ ولم ينقل إلينا أنه اعتبر ذلك، ولو كان معتبرا؛ لبينه للأمة.
وأما اعتكافه صلى الله عليه وسلم في صومه: فلا يستلزم أن يكون الاعتكاف كذلك؛ لأنه أمر اتفاقي، ولو كان ذلك معتبرا؛ لكان اعتكافه في مسجده معتبرا؛ فلا يصح من أحد الاعتكاف في غيره، وأنه باطل.
وأما قول عائشة المتقدم: فظاهر هذا السياق أن لفظ: " ولا اعتكاف إلا بصوم "؛ ليس من بيان السنة المذكورة في أول كلامها، بل ابتداء كلام منها، فقد أخرجه النسائي؛ ولم يذكر فيه قولها: من السنة.
¬__________
(¬1) هو حديث ضعيف؛ انظر " ضعيف الجامع " (4896) .

الصفحة 42