كتاب الدرر البهية والروضة الندية والتعليقات الرضية (اسم الجزء: 2)

الفساد أقوال الصحابة؛ فمع كون الروايات عنهم إنما هي بطريق البلاغ - كما ذكره مالك في " الموطإ "، وليس ذلك بحجة لو كان في المرفوع فضلا عن الموقوف -: فقد عرفت غير مرة أن قول الصحابي ليس بحجة؛ إنما الحجة في إجماعهم عند من يقول بحجية الإجماع.
وأما الاستدلال على ذلك بما أخرجه أبو داود في " المراسيل " بإسناد رجاله ثقات: أن رجلا جامع امرأته وهما محرمان، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " اقضيا نسككما، واهديا هديا ": فالمرسل لا حجة فيه على ما هو الحق (¬1) .
وأما الاستدلال بقوله - تعالى -: {فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج} : فعلى تسليم أن الرفث هو الجماع؛ غاية ما يدل عليه المنع منه، لا أنه يفسد الحج، وإلا لزم في الجدال أنه يفسد الحج؛ ولا قائل بذلك (¬2) .
والمروي في هذا الحديث المرسل هو إيجاب الهدي عليهما، والهدي يصدق على الشاة والبقرة والبدنة، ولا وجه لإيجاب أشد ما يطلق عليه اسم الهدي.
ولا حجة فيما رواه في " الموطإ " عن ابن عباس: أنه سئل عن رجل واقع أهله وهو بمنى قبل أن يفيض؟ فأمره أن ينحر بدنة؛ ولا يصح تقييد المطلق به ولا تفسير المجمل.
¬__________
(¬1) انظر " المراسيل " (ص 148 - 149) لأبي داود، وتعليق محققه عليه.
(¬2) • لعل مستنده في ذلك قول ابن حزم في " المراتب " (ص 43) : " واتفقوا أنه من جادل في الحج؛ أن حجه لا يبطل، ولا إحرامه "، ولكن ابن حزم - رحمه الله - خالف هذا الإجماع الذي نقله هو في كتابه " المحلى "، حيث قال فيه (7 / 196) :
" والجدال بالباطل وفي الباطل؛ عمدا ذاكرا لإحرامه؛ مبطل لإحرامه وللحج؛ لقوله تعالى: {فلا رفث} الآية ". (ن)

الصفحة 75