كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 1)

قَالَ: سمعت وهبا قال: لما أرسل الله عز وجل جبرئيل إلى مريم، تمثل لها بشرا سويا فقالت: «إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا
» ، ثم نفخ في جيب درعها حتى وصلت النفخة إلى الرحم، واشتملت على عيسى قَالَ: وكان معها ذو قرابة لها يقال له يوسف النجار، وكانا منطلقين إلى المسجد الذي عند جبل صهيون، وكان ذلك المسجد يومئذ من أعظم مساجدهم، وكانت مريم ويوسف يخدمان في ذلك المسجد في ذلك الزمان، وكان لخدمته فضل عظيم، فرغبا في ذلك، فكانا يليان معالجته بأنفسهما وتجميره وكناسته وطهوره، وكل عمل يعمل فيه، فكان لا يعلم من أهل زمانهما أحد أشد اجتهادا وعبادة منهما، وكان أول من أنكر حمل مريم صاحبها يوسف، فلما رأى الذي بها استعظمه، وعظم عليه، وفظع به، ولم يدر على ماذا يضع أمرها! فإذا أراد يوسف أن يتهمها ذكر صلاحها وبراءتها، وأنها لم تغب عنه ساعة قط، وإذا أراد أن يبرئها رأى الذي ظهر بها فلما اشتد عليه ذلك كلمها، فكان أول كلامه إياها أن قَالَ لها: إنه قد وقع في نفسي من أمرك أمر قد حرصت على أن أميته، وأكتمه في نفسي، فغلبني ذلك، فرأيت أن الكلام فيه أشفى لصدري، قالت: فقل قولا جميلا، قَالَ: ما كنت لأقول إلا ذلك، فحدثيني: هل ينبت زرع بغير بذر؟
قالت: نعم، قَالَ: فهل تنبت شجرة من غير غيث يصيبها؟ قالت: نعم، قَالَ: فهل يكون ولد من غير ذكر؟ قالت: نعم، ألم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر، والبذر إنما كان من الزرع الذي أنبته الله من غير بذر! أولم تعلم أن الله أنبت الشجر من غير غيث، وأنه جعل بتلك القدرة الغيث حياة للشجر بعد ما خلق كل واحد منهما وحده! أو تقول لم يقدر الله على أن ينبت الشجر، حتى استعان عليه بالماء، ولولا ذلك لم يقدر على إنباته! قَالَ لها يوسف: لا أقول ذلك، ولكني أعلم أن الله بقدرته على ما يشاء يقول لذلك: كن فيكون قالت له مريم: أولم تعلم أن الله عز وجل

الصفحة 594