كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 1)

خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى؟ قَالَ: بلى، فلما قالت له ذلك وقع في نفسه أن الذي بها شيء من الله عز وجل، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه، وذلك لما رأى من كتمانها لذلك ثم تولى يوسف خدمة المسجد، وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه، وذلك لما رأى من رقة جسمها واصفرار لونها، وكلف وجهها، ونتوء بطنها، وضعف قوتها، ودأب نظرها، ولم تكن مريم قبل ذلك كذلك، فلما دنا نفاسها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك، فإنهم إن ظفروا بك عيروك وقتلوا ولدك فأفضت عند ذلك إلى أختها- وأختها حينئذ حبلى، وقد بشرت بيحيى- فلما التقيا وجدت أم يحيى ما في بطنها خر لوجهه ساجدا معترفا بعيسى، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له، ليس بينها حين ركبت الحمار وبين الإكاف شيء، فانطلق يوسف بها، حتى إذا كان متاخما لأرض مصر في منقطع بلاد قومها أدرك مريم النفاس، وألجأها إلى أري حمار- يعني مزود الحمار- في أصل نخلة، وذلك في زمان الشتاء، فاشتد على مريم المخاض، فلما وجدت منه شدة التجأت إلى النخلة، فاحتضنتها واحتوشتها الملائكة، قاموا صفوفا محدقين بها.
فلما وضعت وهي محزونة، قيل لها: «أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا» إلى «إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» ، فكان الرطب يتساقط عليها، وذلك في الشتاء.
فأصبحت الأصنام التي كانت تعبد من دون الله حين ولدت بكل أرض مقلوبة منكوسة على رءوسها، ففزعت الشياطين وراعها، فلم يدروا ما سبب ذلك، فساروا عند ذلك مسرعين، حتى جاءوا إبليس، وهو على عرش له، في لجة خضراء، يتمثل بالعرش يوم كان على الماء ويحتجب، يتمثل بحجب النور التي من دون الرحمن، فاتوه وقد خلاست ساعات من النهار، فلما

الصفحة 595