كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 1)

الجرح والكسر، وكذلك هذا النبي يشفي به الله كل سقيم ومريض، ولأن اللبان ينال دخانه السماء ولا ينالها دخان غيره، كذلك هذا النبي يرفعه الله إلى السماء لا يرفع في زمانه أحد غيره.
فلما قَالُوا ذلك لذلك الملك حدث نفسه بقتله، فقال: اذهبوا، فإذا علمتم مكانه فأعلموني ذلك، فإني أرغب في مثل ما رغبتم فيه من أمره فانطلقوا حتى دفعوا ما كان معهم من تلك الهدية إلى مريم، وأرادوا أن يرجعوا إلى هذا الملك ليعلموه مكان عيسى، فلقيهم ملك فقال لهم: لا ترجعوا إليه، ولا تعلموه بمكانه، فإنه إنما أراد بذلك ليقتله، فانصرفوا في طريق آخر، واحتملته مريم على ذلك الحمار ومعها يوسف، حتى وردا أرض مصر، فهي الربوة التي قَالَ الله:
«وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ» .
فمكثت مريم اثنتي عشرة سنة تكتمه من الناس، لا يطلع عليه أحد، وكانت مريم لا تأمن عليه ولا على معيشته أحدا، كانت تلتقط السنبل من حيث ما سمعت بالحصاد، والمهد في منكبها والوعاء الذي تجعل فيه السنبل في منكبها الآخر، حتى تم لعيسى ع اثنتا عشرة سنة، فكان أول آية رآها الناس منه أن أمه كانت نازلة في دار دهقان من أهل مصر، فكان ذلك الدهقان قد سرقت له خزانة، وكان لا يسكن في داره إلا المساكين، فلم يتهمهم، فحزنت مريم لمصيبة ذلك الدهقان، فلما أن رأى عيسى حزن أمه بمصيبة صاحب ضيافتها، قَالَ لها: يا أمه، أتحبين أن أدله على ماله؟
قالت: نعم يا بني، قَالَ: قولي له يجمع لي مساكين داره، فقالت مريم للدهقان ذلك، فجمع له مساكين داره، فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم:
أحدهما أعمى والآخر مقعد، فحمل المقعد على عاتق الأعمى، ثم قَالَ له:
قم به، قَالَ الأعمى: أنا أضعف من ذلك، قَالَ عيسى ع:
فكيف قويت على ذلك البارحة؟ فلما سمعوه يقول ذلك، بعثوا الأعمى، حتى قام به، فلما استقل قائما حاملا هوي المقعد إلى كوة الخزانة قَالَ عيسى:
هكذا احتالا لمالك البارحة، لأنه استعان الأعمى بقوته، والمقعد بعينيه، فقال

الصفحة 597