كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 1)

المقعد والأعمى: صدق، فردا على الدهقان ماله ذلك، فوضعه الدهقان في خزانته، وقال: يا مريم خذي نصفه، قالت: إني لم أخلق لذلك، قَالَ الدهقان: فأعطيه ابنك، قالت: هو أعظم مني شأنا، ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس ابن له فصنع له عيدا فجمع عليه أهل مصر كلهم، فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشام لم يحذرهم الدهقان، حتى نزلوا به، وليس عنده يومئذ شراب، فلما رأى عيسى اهتمامه بذلك دخل بيتا من بيوت الدهقان، فيه صفان من جرار، فأمر عيسى يده على أفواهها، وهو يمشي، فكلما أمر يده على جرة امتلأت شرابا، حتى أتى عيسى على آخرها، وهو يومئذ ابن اثنتي عشرة سنة، فلما فعل ذلك عيسى فزع الناس لشأنه وما أعطاه الله من ذلك، فأوحى الله عز وجل إلى أمه مريم، أن اطلعي به إلى الشام، ففعلت الذي أمرت به، فلم تزل بالشام حتى كان ابن ثلاثين سنة، فجاءه الوحي على ثلاثين سنة، وكانت نبوته ثلاث سنين ثم رفعه الله إليه، فلما رآه إبليس يوم لقيه على العقبة لم يطلق منه شيئا، فتمثل له برجل ذي سن وهيئة، وخرج معه شيطانان ماردان متمثلين كما تمثل إبليس، حتى خالطوا جماعة الناس.
وزعم وهب أنه ربما اجتمع على عيسى من المرضى في الجماعة الواحدة خمسون ألفا، فمن أطاق منهم أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق ذلك منهم أتاه عيسى ع يمشي إليه، وإنما كان يداويهم بالدعاء إلى الله عز وجل، فجاءه إبليس في هيئة يبهر الناس حسنها وجمالها، فلما رآه الناس فرغوا له، ومالوا نحوه، فجعل يخبرهم بالأعاجيب، فكان في قوله: إن شأن هذا الرجل لعجب، تكلم في المهد، وأحيا الموتى، وأنبأ عن الغيب، وشفى المريض، فهذا الله قَالَ أحد صاحبيه: جهلت أيها الشيخ، وبئس ما قلت! لا ينبغي لله أن يتجلى للعباد، ولا يسكن الأرحام، ولا تسعه أجواف النساء، ولكنه ابن الله وقال الثالث: بئس ما قلتما، كلا كما قد أخطأ وجهل، ليس ينبغي لله أن يتخذ ولدا، ولكنه إله معه، ثم غابوا حين فرغوا

الصفحة 598