كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 2)

ثُمَّ جَالَدْنَاكَ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، مَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْكَ مِنْ حَاجَةٍ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ص يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ، فَمَرَّ بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيُّ، وَقَدْ رَأَى مَكَانَ رَسُولِ الله ص وَنَاقَتَهُ تَهوي بِهِ فَقَالَ:
قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رفقتى محمد ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كَالْعَنْجَدِ
تَهْوِي عَلَى دِينِ أَبِيهَا الأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قَدِيدٍ مَوْعِدِي
وَمَاءَ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ.
وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ، فانه ذكر ان رسول الله ص نَدَبَ أَصْحَابَهُ لِغَزْوَةِ بَدْرٍ لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ الَّذِي كَانَ وَعَدَهُ الالْتِقَاءَ فِيهِ يَوْمَ أُحُدٍ رَأْسَ الْحَوْلِ لِلْقِتَالِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَالَ: وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ قَدِ اعْتَمَرَ، فَقَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: يَا نُعَيْمُ، مِنْ أَيْنَ كَانَ وَجْهُكَ؟ قَالَ: مِنْ يَثْرِبَ، قَالَ: وَهَلْ رَأَيْتَ لِمُحَمَّدٍ حَرَكَةً؟ قَالَ: تَرَكْتُهُ عَلَى تَعْبِئَةٍ لِغَزْوِكُمْ، - وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ نُعَيْمٌ- قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: يَا نُعَيْمُ، إِنَّ هَذَا عَامُ جَدْبٍ، وَلا يُصْلِحُنَا إِلا عَامٌ تَرْعَى فِيهِ الإِبِلُ الشَّجَرَ، وَنَشْرَبُ فِيهِ اللَّبَنَ، وَقَدْ جَاءَ أَوَانُ مَوْعِدِ مُحَمَّدٍ، فَالْحَقْ بالمدينة فثبطهم وعلمهم أَنَّا فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَلا طَاقَةَ لَهُمْ بِنَا، فَيَأْتِي الْخَلْفَ مِنْهُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ قِبَلِنَا، وَلَكَ عَشْرُ فَرَائِضَ أَضَعُهَا لَكَ فِي يَدِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يضمنها فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَيْهِمْ، فَقَالَ نُعَيْمٌ لِسُهَيْلٍ: يَا أَبَا يَزِيدَ، أَتَضْمَنُ هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَنْطَلِقُ إِلَى مُحَمَّدٍ فَأُثَبِّطُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَخَرَجَ نُعَيْمٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ النَّاسَ يَتَجَهَّزُونَ، فَتَدَسَّسَ لَهُمْ، وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِرَأْيٍ،

الصفحة 560