كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 2)

فهبط رسول الله ص مَعَ سَلْمَانَ فِي الْخَنْدَقِ، وَرَقِينَا نَحْنُ التِّسْعَةَ على شقه الخندق، فاخذ رسول الله ص الْمِعْوَلَ مِنْ سَلْمَانَ، فَضَرَبَ الصَّخْرَةَ ضَرْبَةً صَدَعَهَا، وَبَرَقَتْ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا- يَعْنِي لابَتَيِ الْمَدِينَةِ- حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جوف بيت مظلم فكبر رسول الله ص تَكْبِيرَ فَتْحٍ، وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ الله ص الثَّانِيَةَ، فَصَدَعَهَا وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقَةٌ أَضَاءَ مِنْهَا مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله ص تَكْبِيرَ فَتْحٍ وَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ.
ثُمَّ ضَرَبَهَا رَسُولُ الله ص الثَّالِثَةَ فَكَسَرَهَا، وَبَرَقَ مِنْهَا بَرْقَةً أَضَاءَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، حَتَّى لَكَأَنَّ مِصْبَاحًا فِي جَوْفِ بيت مظلم، فكبر رسول الله ص تكبير فتح وكبر المسلمون، ثم أخذ بيد سَلْمَانُ فَرَقِيَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ رَأَيْتُ شَيْئًا مَا رايته قط! [فالتفت رسول الله ص إِلَى الْقَوْمِ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتُمْ مَا يَقُولُ سَلْمَانُ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِينَا أَنْتَ وَأُمِّنَا قَدْ رَأَيْنَاكَ تَضْرِبُ فَيَخْرُجُ بَرْقٌ كَالْمَوْجِ، فَرَأَيْنَاكَ تُكَبِّرُ فَنُكَبِّرُ، وَلا نَرَى شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ.
قَالَ: صَدَقْتُمْ، ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الأُولَى، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ الْحِيرَةِ وَمَدَائِنِ كِسْرَى، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّانِيَةَ، فَبَرَقَ الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورَ الْحُمُرِ مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، ثُمَّ ضَرَبْتُ ضَرْبَتِي الثَّالِثَةُ، فَبَرَقَ مِنْهَا الَّذِي رَأَيْتُمْ، أَضَاءَتْ لِي مِنْهَا قُصُورُ صَنْعَاءَ كَأَنَّهَا أَنْيَابُ الْكِلابِ، فَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ أُمَّتِي ظَاهِرَةٌ عَلَيْهَا، فَأَبْشِرُوا يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ، وَأَبْشِرُوا يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرَ، وَأَبْشِرُوا يُبَلِّغُهُمُ النَّصْرُ! فَاسْتَبْشَرَ الْمُسْلِمُونَ، وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ مُوعِدَ صَادِقٍ بَارٍّ، وَعَدَنَا النَّصْرَ بَعْدَ الْحَصْرَ فَطَلَعَتِ الأَحْزَابُ، فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ:
«هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً»

الصفحة 569