كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 2)

مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، رَأَيْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ وَصَحِبْتُمُوهُ! قال: نعم يا بن أَخِي، قَالَ: فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نَجْهَدُ، فَقَالَ الْفَتَى: وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ، وَلَحَمَلْنَاه على أعناقنا فقال حذيفة: يا بن أَخِي، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص بِالْخَنْدَقِ، وَصَلَّى هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرَ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ- يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْجِعُ- أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ فَمَا قَامَ رَجُلٌ ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ص هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا فَقَالَ مِثْلَهُ، فَمَا قَامَ مِنَّا رَجُلٌ، ثُمَّ صَلَّى رسول الله ص هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا، [فَقَالَ:
مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرَ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمَّ يَرْجِعُ- يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ الرُّجْعَةَ- أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ؟ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ فَلَمَّا لم يقم احد دعانى رسول الله ص فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي فَقَالَ: يَا حُذَيْفَةُ، اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَا يَفْعَلُونَ، وَلا تُحَدِّثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا،] قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لا تُقِرٌّ لَهُمْ قِدْرًا وَلا نَارًا وَلا بِنَاءً فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لِيَنْظُرْ امْرُؤٌ جَلِيسَهُ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ وَاللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ، وَلَقِينَا مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ مَا تَرَوْنَ، وَاللَّهِ مَا تَطْمَئِنُّ لَنَا قِدْرٌ، وَلا تَقُومُ لَنَا نَارٌ، وَلا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ، فَارْتَحِلُوا فَإِنِّي مُرْتَحِلٌ.
ثُمَّ قَامَ إِلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلاثٍ، فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إِلا وَهُوَ قَائِمٌ، وَلَوْلا عَهْدُ رَسُولِ الله ص الى الا أُحَدِّثُ شَيْئًا حَتَّى آتِيَهُ، ثُمَّ شِئْتُ لَقَتَلْتُهُ بِسَهْمٍ قَالَ حُذَيْفَةُ:

الصفحة 580