كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 4)

وَلا يَعْدِلُونَ بِالتَّطْرِيفِ، حَتَّى إِذَا كَثُرَ ذَلِكَ وَظَهَرَ فِي الْعَسْكَرَيْنِ جَمِيعًا.
رَامُوا الْجَمَلَ وَقَالُوا: لا يَزَالُ الْقَوْمُ أَوْ يُصْرَعُ، وَأَرَزَتْ مَجْنَبَتَا عَلِيٍّ فَصَارَتَا فِي الْقَلْبِ، وَفَعَلَ ذَلِكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَكَرِهَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَتَلاقَوْا جَمِيعًا بِقَلْبَيْهِمْ، وَأَخَذَ ابْنُ يَثْرِبِيٍّ بِرَأْسِ الْجَمَلِ وَهُوَ يرتجز، وادعى قتل علباء ابن الْهَيْثَمِ وَزَيْدَ بْنَ صُوحَانَ وَهِنْدَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ:
أَنَا لِمَنْ يُنْكِرُنِي ابْنُ يَثْرِبِيِّ قَاتِلُ علباء وهند الجملي وابن لصوحان على دين عَلِيِّ.
فَنَادَاهُ عَمَّارٌ: لَقَدْ لَعَمْرِي لُذْتَ بِحَرِيزٍ، وَمَا إِلَيْكَ سَبِيلٌ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَاخْرُجْ مِنْ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ إِلَيَّ، فَتَرَكَ الزِّمَامَ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيٍّ حَتَّى كَانَ بَيْنَ أَصْحَابِ عَائِشَةَ وَأَصْحَابِ عَلِيٍّ، فَزَحَمَ النَّاسُ عَمَّارًا حَتَّى أَقْبَلَ إِلَيْهِ، فَاتَّقَاهُ عَمَّارٌ بِدَرَقَتِهِ، فَضَرَبَهُ فَانْتَشَبَ سَيْفَهُ فِيهَا، فَعَالَجَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ، فَخَرَجَ عَمَّارٌ إِلَيْهِ لا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا، فَأَسِفَ عَمَّارٌ لِرِجْلَيْهِ فَقَطَعَهُمَا، فَوَقَعَ عَلَى اسْتِهِ، وَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ، فَارْتُثَّ بَعْدُ، فَأُتِيَ بِهِ عَلِيٌّ، فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ وَلَمَّا أُصِيبَ ابْنُ يَثْرِبِيٍّ تَرَكَ ذَلِكَ الْعَدَوِيُّ الزِّمَامَ، ثُمَّ خَرَجَ فَنَادَى: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَخَنَسَ عَمَّارٌ، وَبَرَزَ إِلَيْهِ رَبِيعَةُ الْعَقِيلِيُّ- وَالْعَدَوِيُّ يُدْعَى عَمْرَةَ بْنَ بُجْرَةَ، أَشَدُّ النَّاسِ صَوْتًا، وَهُوَ يَقُولُ:
يَا أُمَّنَا اعق أم نعلم ... والام تغذو وَلَدًا وَتَرْحَمُ
أَلا تَرِينَ كَمْ شُجَاعٍ يُكْلَمُ ... وَتُخْتَلَى مِنْهُ يَدٌ وَمِعْصَمُ!
ثُمَّ اضْطَرَبَا، فَأَثْخَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، فَمَاتَا.
وَقَالَ عَطِيَّةُ بْنُ بِلالٍ: وَلَحِقَ بِنَا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ رَجُلٌ يُدْعَى الْحَارِثَ، مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، فَقَامَ مَقَامَ الْعَدَوِيِّ، فَمَا رَأَيْنَا رَجُلا قَطُّ أَشَدَّ منه، وجعل يقول:

الصفحة 517