كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 4)

رحلك، واجمع إليك ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حَتَّى تأتيها ومعك جند، فإن ذَلِكَ أرعب لعدوك وأعز لوليك، فإذا أنت قدمتها إِنْ شَاءَ اللَّهُ فأحسن إِلَى المحسن، واشتد عَلَى المريب، وارفق بالعامة والخاصة، فإن الرفق يمن] .
فَقَالَ لَهُ قيس بن سَعْد: رحمك اللَّه يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! فقد فهمت مَا قلت، اما قولك: اخرج إليها بجند، فو الله لَئِنْ لم أدخلها إلا بجند آتيها بِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ لا أدخلها أبدا، فأنا أدع ذَلِكَ الجند لك، فإن أنت احتجت إِلَيْهِم كَانُوا مِنْكَ قريبا، وإن أردت أن تبعثهم إِلَى وجه من وجوهك كَانُوا عدة لك، وأنا أصير إِلَيْهَا بنفسي وأهل بيتي وأما مَا أوصيتني بِهِ من الرفق والإحسان، فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ هُوَ المستعان عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: فخرج قيس بن سَعْد فِي سبعة نفر من أَصْحَابه حَتَّى دخل مصر، فصعد الْمِنْبَر، فجلس عَلَيْهِ، وأمر بكتاب مَعَهُ من أَمِير الْمُؤْمِنِينَ فقرئ عَلَى أهل مصر:
بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عَبْد اللَّه علي أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إِلَى من بلغه كتابي هَذَا من الْمُؤْمِنِينَ والمسلمين سلام عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ أَمَّا بَعْدُ، فإن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بحسن صنعه وتقديره وتدبيره، اختار الإِسْلام دينا لنفسه وملائكته ورسله، وبعث به الرسل ع إِلَى عباده، وخص بِهِ من انتخب من خلقه، فكان مما أكرم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بِهِ هَذِهِ الأمة، وخصهم بِهِ من الفضيلة أن بعث إِلَيْهِم محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعلمهم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة، لكيما يهتدوا، وجمعهم لكيما لا يتفرقوا، وزكاهم لكيما يتطهروا، ورفههم لكيما لا يجوروا، فلما قضى من ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قبضه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ صلوات اللَّه عَلَيْهِ ورحمته وبركاته ثُمَّ إن الْمُسْلِمِينَ استخلفوا بِهِ أميرين صالحين، عملا بالكتاب والسنة، وأحسنا السيرة، ولم يعدوا السنة، ثُمَّ توفاهما اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، رضي اللَّه عنهما ثُمَّ ولى

الصفحة 548