كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 4)

شَيْئًا إلا أوتيته، واكتب إلي برأيك فِيمَا كتبت بِهِ إليك والسلام.
فلما جاءه كتاب مُعَاوِيَة أحب أن يدافعه وَلا يبدي لَهُ أمره، وَلا يتعجل لَهُ حربه، فكتب إِلَيْهِ:
أَمَّا بَعْدُ، فقد بلغني كتابك، وفهمت مَا ذكرت فيه من قتل عثمان، وذلك امر لم اقارفه، ولم أطف بِهِ وذكرت أن صاحبي هُوَ أغرى الناس بعثمان، ودسهم إِلَيْهِ حَتَّى قتلوه، وهذا مَا لم أطلع عَلَيْهِ، وذكرت أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عُثْمَان، فأول الناس كَانَ فِيهِ قياما عشيرتي وأما مَا سألتني من متابعتك، وعرضت علي من الجزاء بِهِ، فقد فهمته، وهذا أمر لي فِيهِ نظر وفكرة، وليس هَذَا مما يسرع إِلَيْهِ، وأنا كاف عنك، ولن يأتيك من قبلي شَيْء تكرهه حَتَّى ترى ونرى إِنْ شَاءَ اللَّهُ، والمستجار اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، والسلام عَلَيْك ورحمة اللَّه وبركاته.
قَالَ: فلما قرأ مُعَاوِيَة كتابه، لم يره إلا مقاربا مباعدا، ولم يأمن أن يكون لَهُ فِي ذَلِكَ مباعدا مكايدا، فكتب إِلَيْهِ مُعَاوِيَة أَيْضًا:
أَمَّا بَعْدُ، فقد قرأت كتابك، فلم أرك تدنو فأعدك سلما، ولم أرك تباعد فأعدك حربا، أنت فِيمَا هاهنا كحنك الجزور، وليس مثلي يصانع المخادع، وَلا ينتزع للمكايد، وَمَعَهُ عدد الرجال، وبيده أعنة الخيل، والسلام عَلَيْك.
فلما قرأ قيس بن سَعْد كتاب مُعَاوِيَة، ورأى أنه لا يقبل مَعَهُ المدافعة والمماطلة، أظهر لَهُ ذات نفسه، فكتب إِلَيْهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ من قيس بن سَعْد، إِلَى مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ.
أَمَّا بَعْدُ، فإن العجب من اغترارك بي، وطمعك فِي، واستسقاطك رأيي.
أتسومني الخروج من طاعة أولى الناس بالإمرة، وأقولهم للحق، وأهداهم سبيلا، وأقربهم مِنْ رسول الله ص وسيلة، وتأمرني بالدخول فِي طاعتك، طاعة أبعد الناس من هَذَا الأمر، وأقولهم للزور، وأضلهم سبيلا، وأبعدهم من اللَّه عَزَّ وَجَلَّ ورسوله ص وسيلة، ولد ضالين مضلين، طاغوت من طواغيت إبليس! وأما قولك إني مالئ عَلَيْك مصر خيلا ورجلا

الصفحة 551