كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 4)

خروج عَلِيّ بن أبي طالب إِلَى صفين
حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد المروزي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا اسْتَخْلَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ سَارَ مِنْهَا إِلَى الْكُوفَةِ، فَتَهَيَّأَ فِيهَا إِلَى صِفِّينَ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنْ يَبْعَثَ الْجُنُودَ وَيُقِيمُ، وَأَشَارَ آخَرُونَ بِالْمَسِيرِ فَأَبَى إِلا الْمُبَاشَرَةَ، فَجَهَّزَ النَّاسَ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَدَعَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَاسْتَشَارَهُ فَقَالَ: أَمَا إذ بلغك أَنَّهُ يَسِيرُ فَسِرْ بِنَفْسِكَ، وَلا تَغِبْ عَنْهُ بِرَأْيِكَ وَمَكِيدَتِكَ قَالَ: أَمَا إِذًا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَجَهِّزِ النَّاسَ فَجَاءَ عَمْرٌو فَحَضَّضَ النَّاسَ، وَضَعَّفَ عَلِيًّا وأَصْحَابَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ فَرَّقُوا جَمْعَهُمْ، وَأَوْهَنُوا شَوْكَتَهُمْ، وَفَلُّوا حَدَّهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ مُخَالِفُونَ لِعَلِيٍّ، قد وَتَرَهُمْ وَقَتَلَهُمْ، وَقَدْ تَفَانَتْ صَنَادِيدُهُمْ وَصَنَادِيدُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَإِنَّمَا سَارَ فِي شِرْذِمَةٍ قليله، ومنهم من قد قَتَلَ خَلِيفَتُكُمْ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوهُ، وَفِي دَمِّكُمْ أَنْ تُبْطِلُوهُ! وَكَتَبَ فِي أَجْنَادِ أَهْلِ الشَّامِ، وَعَقَدَ لِوَاءَهُ لِعَمْرٍو، فَعَقَدَ لِوَرْدَانَ غُلامِهِ فِيمَنْ عَقَدَ، وَلابْنَيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ، وَعَقَدَ عَلِيٌّ لِغُلامِهِ قَنْبَرٍ، ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو:
هَلْ يُغْنِيَنَّ وَرْدَانُ عَنِّي قَنْبَرًا ... وَتُغْنِي السَّكُونُ عَنِّي حَمْيَرَا
إِذَا الْكُمَاةُ لَبِسُوا السِّنَّوْرَا.
فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ:
لأُصَبِّحَنَّ الْعَاصِي ابْنَ الْعَاصِي ... سَبْعِينَ أَلْفًا عَاقِدِي النَّوَاصِي
مُجَنِّبِينَ الْخَيْلَ بِالْقِلاصِ ... مُسْتَحْقِبِينَ حَلْقَ الدِّلاصِ
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَا أَرَى ابْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلا قَدْ وَفَّى لَكَ، فَجَاءَ مُعَاوِيَةُ يَتَأَنَّى فِي مَسِيرِهِ وَكَتَبَ إِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَخَافُ عَلِيًّا

الصفحة 563