كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 5)

أَصْحَابه، حَتَّى صلوا الغداة من الغد عِنْدَ قبره، وزادهم ذَلِكَ حنقا ثُمَّ ركبوا، فأمر سُلَيْمَان الناس بالمسير، فجعل الرجل لا يمضي حَتَّى يأتي قبر الْحُسَيْن فيقوم عَلَيْهِ، فيترحم عليه، ويستغفر له، قال: فو الله لرأيتهم ازدحموا عَلَى قبره أكثر من ازدحام الناس عَلَى الحجر الأسود قَالَ: ووقف سُلَيْمَان عِنْدَ قبره، فكلما دعا لَهُ قوم وترحموا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمُ المسيب بن نجبة وسُلَيْمَان بن صرد: الحقوا بإخوانكم رحمكم اللَّه! فما زال كذلك حَتَّى بقي نحو من ثَلاثِينَ من أَصْحَابه، فأحاط سُلَيْمَان بالقبر هُوَ وأَصْحَابه، فَقَالَ سُلَيْمَان: الحمد لِلَّهِ الَّذِي لو شاء أكرمنا بالشهادة مع الْحُسَيْن، اللَّهُمَّ إذ حرمتناها مَعَهُ فلا تحرمناها فِيهِ بعده وَقَالَ عَبْد اللَّهِ بن وال: أما وَاللَّهِ إني لأظن حسينا وأباه وأخاه افضل أمه محمد ص وسيلة عِنْدَ اللَّه يوم الْقِيَامَة، أفما عجبتم لما ابتليت بِهِ هَذِهِ الأمة مِنْهُمْ! إِنَّهُمْ قتلوا اثنين، وأشفوا بالثالث عَلَى القتل، قَالَ: يقول المسيب بن نجبة: فأنا من قتلتهم ومن كَانَ عَلَى رأيهم بريء، إياهم أعادي وأقاتل قَالَ: فأحسن الرءوس كلهم المنطق، وَكَانَ المثنى بن مخربه صاحب أحد الرءوس والأشراف، فساءني حَيْثُ لم أسمعه تكلم مع القوم بنحو مَا تكلموا به، قال: فو الله مَا لبث إن تكلم بكلمات مَا كن بدون كلام أحد من القوم، فَقَالَ: إن الله جعل هؤلاء الذين ذكرتم بمكانهم من نبيهم ص أفضل ممن هُوَ دون نبيهم، وَقَدْ قتلهم قوم نحن لَهُمْ أعداء، ومنهم برآء، وَقَدْ خرجنا من الديار والأهلين والأموال إرادة استئصال من قتلهم، فو الله لو أن القتال فِيهِمْ بمغرب الشمس أو بمنقطع التراب يحق علينا طلبه حَتَّى نناله، فإن ذَلِكَ هُوَ الغنم، وَهِيَ الشهادة الَّتِي ثوابها الجنة، فقلنا لَهُ: صدقت وأصبت ووفقت.
قَالَ: ثُمَّ إن سُلَيْمَان بن صرد سار من موضع قبر الْحُسَيْن وسرنا مَعَهُ، فأخذنا عَلَى الحصاصة، ثُمَّ عَلَى الأنبار، ثُمَّ عَلَى الصدود، ثُمَّ عَلَى القيارة.
قَالَ أَبُو مخنف: عن الْحَارِث بن حصيرة وغيره: أن سُلَيْمَان بعث على

الصفحة 590