كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 5)

يَا قومنا، «إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً» ، يَا قوم، إن أيدينا وأيديكم الْيَوْم واحدة، وإن عدونا وعدوكم واحد، ومتى تجتمع كلمتنا نظهر عَلَى عدونا، ومتى تختلف تهن شوكتنا عَلَى من خالفنا، يَا قومنا لا تستغشوا نصحي، وَلا تخالفوا أمري، وأقبلوا حين يقرأ عَلَيْكُمْ كتابي، أقبل اللَّه بكم إِلَى طاعته، وأدبر بكم عن معصيته، والسلام.
قَالَ: فلما قرئ الكتاب عَلَى ابن صرد وأَصْحَابه قَالَ لِلنَّاسِ: مَا ترون؟
قَالُوا: ماذا ترى؟ قَدْ أبينا هَذَا عَلَيْكُمْ وعليهم، ونحن فِي مصرنا وأهلنا، فالآن خرجنا ووطنا أنفسنا عَلَى الجهاد، ودنونا من أرض عدونا! مَا هَذَا برأي ثُمَّ نادوه أن أَخْبِرْنَا برأيك، قَالَ: رأيي وَاللَّهِ أنكم لم تكونوا قط أقرب من إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ مِنْكُمْ يومكم هَذَا، الشهادة والفتح، وَلا أَرَى أن تنصرفوا عما جمعكم اللَّه عَلَيْهِ من الحق، وأردتم بِهِ من الفضل، أنا وهؤلاء مختلفون، إن هَؤُلاءِ لو ظهروا دعونا إِلَى الجهاد مع ابن الزُّبَيْر، وَلا أَرَى الجهاد مع ابن الزُّبَيْر إلا ضلالا، وإنا إن نحن ظهرنا رددنا هَذَا الأمر إِلَى أهله، وإن أصبنا فعلى نياتنا، تائبين من ذنوبنا، إن لنا شكلا، وإن لابن الزُّبَيْر شكلا، إنا وإياهم كما قَالَ أخو بني كنانة:
أَرَى لَكَ شكلا غير شكلي فأقصري ... عن اللوم إذ بدلت واختلف الشكل
قَالَ: فانصرف الناس مَعَهُ حَتَّى نزل هيت، فكتب سُلَيْمَان:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ للأمير عَبْد اللَّهِ بن يَزِيدَ، من سُلَيْمَان بن صرد ومن مَعَهُ من الْمُؤْمِنِينَ، سلام عَلَيْك، اما بعد، فقد قرأنا كتابك، وفهمنا ما نويت، فنعم وَاللَّهِ الوالي، ونعم الأمير، ونعم أخو العشيرة، أنت وَاللَّهِ من نأمنه بالغيب، ونستنصحه فِي المشورة، ونحمده عَلَى كل حال، إنا سمعنا اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يقول فِي كتابه: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» - إِلَى قَوْلِهِ: «وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» إن القوم قَدِ استبشروا ببيعتهم

الصفحة 592