كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 7)

الله أبي مسلم على ما كان أجمع، فكف وجعل يلتفت يمينا وشمالا تخوفا من أبي مسلم، فقال له المنصور: تكلم بما أردت، فقد قتل الله الفاسق، وأمر بإخراجه إليه مقطعا، فلما رآه أبو إسحاق خر ساجدا، فأطال السجود، فقال له المنصور: ارفع رأسك وتكلم، فرفع رأسه وهو يقول: الحمد لله الذي آمنني بك اليوم، والله ما أمنته يوما واحدا منذ صحبته، وما جئته يوما قط إلا وقد أوصيت وتكفنت وتحنطت، ثم رفع ثيابه الظاهرة فإذا تحتها ثياب كتان جدد، وقد تحنط فلما رأى أبو جعفر حاله رحمه، ثم قَالَ:
استقبل طاعة خليفتك، واحمد الله الذي أراحك من الفاسق ثم قَالَ له أبو جعفر: فرق عني هذه الجماعة ثم دعا بمالك بْن الهيثم فحدثه بمثل ذلك، فاعتذر إليه بأنه أمره بطاعته، وإنما خدمه وخف له الناس بمرضاته، وإنه قد كان في طاعتهم قبل أن يعرف أبا مسلم، فقبل منه وأمره بمثل ما أمر به أبا إسحاق من تفريق جند أبي مسلم وبعث أبو جعفر إلى عدة من قواد أبي مسلم بجوائز سنية، وأعطى جميع جنده حتى رضوا، ورجع أصحابه وهم يقولون: بعنا مولانا بالدراهم ثم دعا أبو جعفر بعد ذلك أبا إسحاق، فقال: أقسم بالله لئن قطعوا طنبا من أطنابي لأضربن عنقك ثم لأجاهدنهم فخرج إليهم أبو إسحاق فقال:
يا كلاب انصرفوا.
قَالَ علي: قَالَ أبو حفص الأزدي: لما قتل أبو مسلم كتب أبو جعفر إلى أبي نصر كتابا عن لسان أبي مسلم يأمره بحمل ثقله وما خلف عنده، وأن يقدم، وختم الكتاب بخاتم أبي مسلم، فلما رأى أبو نصر نقش الخاتم تاما، علم أن أبا مسلم لم يكتب الكتاب، فقال: أفعلتموها! وانحدر إلى همذان وهو يريد خراسان، فكتب أبو جعفر لأبي نصر عهده على شهرزور، ووجه رسولا إليه بالعهد، فأتاه حين مضى الرسول بالعهد أنه قد توجه إلى خراسان، فكتب إلى زهير بْن التركي- وهو على همذان: إن مر بك أبو نصر فاحبسه، فسبق الكتاب إلى زهير وأبو نصر بهمذان، فأخذه فحبسه في القصر، وكان

الصفحة 493