كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 8)
يبقيك الله يا أمير المؤمنين، ويبلغ أبو عبد الله محبتك في حياتك إن شاء الله.
قَالَ: وثقل عند ذلك وهو يقول: بادر بي إلى حرم ربي وأمنه، هاربا من ذنوبي وإسرافي على نفسي، فلم يزل كذلك حتى بلغ بئر ميمون، فقلت له:
هذه بئر ميمون، وقد دخلت الحرم، فقال: الحمد لله، وقضى من يومه.
قَالَ الربيع: فأمرت بالخيم فضربت، وبالفساطيط فهيئت، وعمدت إلى أمير المؤمنين فألبسته الطويلة والدراعة، وسندته، وألقيت في وجهه كلة رقيقة يرى منها شخصه، ولا يفهم أمره، وأدنيت أهله من الكلة حيث لا يعلم بخبره، ويرى شخصه ثم دخلت فوقفت بالموضع الذي أوهمهم أنه يخاطبني، ثم خرجت فقلت: إن أمير المؤمنين مفيق بمن الله، وهو يقرأ عليكم السلام، ويقول: إني أحب أن يؤكد الله أمركم، ويكبت عدوكم، ويسر وليكم، وقد أحببت أن تجددوا بيعة أبي عبد الله المهدي، لئلا يطمع فيكم عدو ولا باغ، فقال القوم كلهم: وفق الله أمير المؤمنين، نحن إلى ذاك أسرع قَالَ: فدخل فوقف، ورجع إليهم، فقال: هلموا للبيعة، فبايع القوم كلهم، فلم يبق أحد من خاصته والأولياء ورؤساء من حضره إلا بايع المهدي، ثم دخل وخرج باكيا مشقوق الجيب لاطما رأسه، فقال بعض من حضر: ويلى عليك يا بن شاة! يريد الربيع- وكانت أمه ماتت وهي ترضعه فأرضعته شاة- قَالَ: وحفر للمنصور مائة قبر، ودفن في كلها، لئلا يعرف موضع قبره الذي هو ظاهر للناس، ودفن في غيرها للخوف عليه.
قَالَ: وهكذا قبور خلفاء ولد العباس، لا يعرف لأحد منهم قبر.
قَالَ: فبلغ المهدي، فلما قدم عليه الربيع قَالَ: يا عبد، ألم تمنعك جلالة أمير المؤمنين إن فعلت ما فعلت به! وقال قوم: إنه ضربه، ولم يصح ذلك.
قَالَ: وذكر من حضر حجة المنصور، قَالَ: رأيت صالح بْن المنصور وهو مع أبيه والناس معه، وان موسى بن المهدى لقى تباعه، ثم رجع الناس وهم خلف موسى، وأن صالحا معه
الصفحة 114
688