كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 8)

وعدل بأبي جعفر عن الطريق في الشق الأيسر فأنيخ به، ومحمد واقف قبالته، ومعه طبيب له، فلما ركب أبو جعفر وسار، وعديله الربيع أمر محمد الطبيب فمضى إلى موضع مناخ أبي جعفر، فرأى نجوه، فقال لمحمد: رأيت نجو رجل لا تطول به الحياة، فلما دخل مكة لم يلبث أن مات وسلم محمد
. ذكر الخبر عن وفاه ابى جعفر المنصور
وفيها شخص أبو جعفر من مدينة السلام، متوجها إلى مكة، وذلك في شوال، فنزل- فيما ذكر- عند قصر عبدويه، فانقض في مقامه هنالك كوكب، لثلاث بقين من شوال بعد إضاءة الفجر، فبقي أثره بينا إلى طلوع الشمس، ثم مضى إلى الكوفة، فنزل الرصافة، ثم أهل منها بالحج والعمرة، وساق معه الهدي وأشعره وقلده، لأيام خلت من ذي القعدة.
فلما سار منازل من الكوفة عرض له وجعه الذي توفي منه.
واختلف في سبب الوجع الذي كانت منه وفاته، فذكر عن علي بْن محمد بْن سليمان النوفلي، عن أبيه، أنه كان يقول: كان المنصور لا يستمرئ طعامه، ويشكو من ذلك إلى المتطببين ويسألهم أن يتخذوا له الجوارشنات، فكانوا يكرهون ذلك ويأمرونه أن يقل من الطعام، ويخبرونه أن الجوارشنات تهضم في الحال، وتحدث من العلة ما هو أشد منه عليه، حتى قدم عليه طبيب من أطباء الهند، فقال له كما قَالَ له غيره، فكان يتخذ له سفوفا جوارشنا يابسا، فيه الأفاويه والأدوية الحارة، فكان يأخذه فيهضم طعامه فأحمده قَالَ: فقال لي أبي: قَالَ لي كثير من متطببي العراق: لا يموت والله أبو جعفر أبدا إلا بالبطن، قَالَ: قلت له: وما علمك؟ قَالَ: هو يأخذ الجوارشن فيهضم طعامه، ويخلق من زئير معدته في كل يوم شيئا، وشحم مصارينه، فيموت ببطنه وقال لي: اضرب لذلك مثلا،

الصفحة 59