كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 8)

بعملك- واشار بيده يحركها- قال عمارة: فقلت لأصبغ: ما كان عنى أمير المؤمنين؟ قَالَ: كنت وأنا غلام أعمل الحبال، فكان يأكل من كسبي.
قَالَ نصر: ثم أتي به ثانية، فأدخلته كما أدخلته قبل، فلما وقف بين يديه أحد النظر إليه، ثم قَالَ: أصبغ! فقال: نعم يا أمير المؤمنين، قَالَ: فقص عليه ما فعل به، وذكره إياه، فأقر به، وقال: الحمق يا أمير المؤمنين، فقدمه فضرب عنقه.
وذكر علي بْن محمد بْن سليمان النوفلي، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ:
كان خضاب المنصور زعفرانيا، وذلك أن شعره كان لينا لا يقبل الخضاب، وكانت لحيته رقيقة، فكنت أراه على المنبر يخطب ويبكي فيسرع الدمع على لحيته حتى تكف لقلة الشعر ولينه.
وذكر إبراهيم بْن عبد السلام، ابن أخي السندي بْن شاهك السندي، قَالَ:
ظفر المنصور برجل من كبراء بني أمية، فقال: إني أسألك عن أشياء فاصدقني ولك الأمان، قَالَ: نعم، فقال له المنصور: من أين أتي بنو أمية حتى انتشر امرهم؟ قال: من تضييع الاخبار، وقال: فأي الأموال وجدوها أنفع؟ قَالَ:
الجوهر، قَالَ فعند من وجدوا الوفاء؟ قَالَ: عند مواليهم، قَالَ: فأراد المنصور أن يستعين في الأخبار بأهل بيته، ثم قَالَ: أضع من أقدارهم، فاستعان بمواليه.
وذكر علي بْن محمد الهاشمي أن أباه محمد بْن سليمان حدثه، قَالَ: بلغني أن المنصور أخذ الدواء في يوم شات شديد البرد، فأتيته أسأله عن موافقة الدواء له، فأدخلت مدخلا من القصر لم أدخله قط، ثم صرت إلى حجيرة صغيرة، وفيها بيت واحد ورواق بين يديه في عرض البيت وعرض الصحن، على أسطوانة ساج، وقد سدل على وجه الرواق بواري كما يصنع بالمساجد، فدخلت فإذا في البيت مسح ليس فيه شيء غيره إلا فراشه ومرافقه ودثاره، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا بيت أربأ بك عنه، فقال: يا عم، هذا

الصفحة 80