كتاب تاريخ الطبري = تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري (اسم الجزء: 8)
فعل ذلك بها فما حاجتهم! إذا أقيم لهم من ينظر في أحكامهم فينصف بعضهم من بعض، ويؤمن سبلهم حتى لا يخافوا في ليلهم ولا نهارهم، ويسد ثغورهم وأطرافهم حتى لا يجيئهم عدوهم، وقد فعلنا ذلك بهم ثم مكث أياما، وقال: يا ربيع، اضرب الطبل، فركب حتى رآه العامة.
وذكر علي بْن محمد، قَالَ: حدثني أبي، قَالَ: وجه أبو جعفر مع محمد بْن أبي العباس بالزنادقة والمجان، فكان فيهم حماد عجرد، فأقاموا معه بالبصرة يظهر منهم المجون، وإنما أراد بذلك أن يبغضه إلى الناس، فأظهر محمد أنه يعشق زينب بنت سليمان بْن علي، فكان يركب إلى المربد، فيتصدى لها، يطمع أن تكون في بعض المناظر تنظر إليه، فقال محمد لحماد: قل لي فيها شعرا، فقال فيها أبياتا، يقول فيها:
يا ساكن المربد قد هجت لي ... شوقا فما أنفك بالمربد
قَالَ: فحدثني أبي قَالَ: كان المنصور نازلا على أبي سنتين، فعرفت الخصيب المتطبب لكثرة إتيانه إياه، وكان الخصيب يظهر النصرانية وهو زنديق معطل لا يبالي من قتل، فأرسل إليه المنصور رسولا يأمره أن يتوخى قتل محمد بْن أبي العباس، فاتخذ سما قاتلا، ثم انتظر علة تحدث بمحمد، فوجد حرارة، فقال له الخصيب: خذ شربة دواء، فقال: هيئها لي، فهيأها، وجعل فيها ذلك السم ثم سقاه إياها، فمات منها فكتبت بذلك أم محمد بْن أبي العباس إلى المنصور تعلمه أن الخصيب قتل ابنها فكتب المنصور يأمر بحمله إليه، فلما صار إليه ضربه ثلاثين سوطا ضربا خفيفا، وحبسه أياما، ثم وهب له ثلاثمائة درهم، وخلاه.
قَالَ: وسمعت أبي يقول: كان المنصور شرط لأم موسى الحميرية ألا يتزوج عليها ولا يتسرى، وكتبت عليه بذلك كتابا أكدته وأشهدت عليه شهودا، فعزب بها عشر سنين في سلطانه، فكان يكتب إلى الفقيه بعد الفقيه من أهل الحجاز يستفتيه، ويحمل إليه الفقيه من أهل الحجاز وأهل العراق
الصفحة 86
688