كتاب الطيوريات (اسم الجزء: 1)

عَبْدِ اللَّهِ (1) ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فليَجْتَنِبِ الوجهَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» (2)
¬_________
(1) المجمر المدني، مولى آل عمر، ثقة.
(2) هذا الحديث منكر جدًّا بهذا الإسناد، فيه:
- عثمان بن مِقْسَم البَرّي، وهو متروك، وقد تفرد برواية هذا الحديث عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ولم يتابعه عليه أحد.
- وعبد العزيز بن سليمان الحرملي، لم أعرف فيه جرحاً ولا تعديلاً.
- وعبد اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْيَسَعَ القارئ، ضعفه الأزهري.
وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة يصح بها وهي:
ما أخرجه مسلم (4/2017/ح2612/115) كتاب البر والصلة، باب النهي عن ضرب الوجه،

وأحمد (2/463، و519) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/84/40) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (2/62/637) من طريق قتادة عن أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد (2/244) ، والآجري في «الشريعة» (3/1151/ح722، و723) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/63/638) من طريق سفيان، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عن أبي هريرة.
وأخرجه أحمد (2/323) من طريق الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبي الزناد، عن موسى بن أبي عثمان، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وأخرجه أحمد (2/251، و434) ، وابن خزيمة في «كتاب التوحيد» (1/82-83/ح37) ، والآجري في «الشريعة» (3/1152/ح724) من طريق يحيى بن سعيد، عن ابن عجلان، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هريرة، وفيه زيادة «ولا تقل: قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك» .
وأخرجه أيضا البخاري (4/135/ح6221) كتاب الاستئذان، باب بدء السلام، ومسلم (4/2183/ح2841) كتاب الجنة، باب يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير، وأحمد (2/315) ، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (1/93-94/ح44) من طريق معمر، عن همام بن منبه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ? قال:
«خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب، فسلم على أولئك -نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه «ورحمة الله» ، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن» .
قد اختلفت مواقف أهل العلم من هذا الحديث وفي المراد من قوله «على صورته» على النحو التالي:
- فمنهم من أنكر ثبوت الحديث ونهى عن التحديث به، كما حكى العقيلي ذلك في «الضعفاء» (2/251-252) عن الإمام مالك -رحمه الله-، ونقله الذهبي في الميزان (2/419) وسير أعلام النبلاء (8/103-104) . وقد اعتذر الذهبي عن الإمام مالك فقال: «أنكر الإمام ذلك لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به، فهو معذور» .
- ومنهم من أثبت الحديث وصححه، ولكن اختلفوا في المراد بالضمير في قوله «على صورته» على أقوال:
القول الأول: أن الضمير يعود إلى الرحمن عز وجل -كما جاء مصرحاً به في بعض طرق الحديث-، وعليه سائر أئمة السنة من السلف والخلف. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «والكلام على ذلك أن يقال: هذا الحديث لم يكن بين السلف نزاع في أن الضمير عائد إلى الله؛ فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك» . انظر عقيدة أهل الإيمان (ص54) .
ودليل هذا القول هو هذا الحديث. وأيّده ما جاء عن ابن عمر مصرحاً بأن المراد بالضمير هو الله عز وجل، في الحديث الذي أخرجه: عبد الله بن أحمد في «السنة» (1/268/ح498) ، وابن أبي عاصم في «السنة» (1/228-229/ح517، و518) ، وابن خزيمة في «التوحيد» (1/85/ح41) ، والآجري في «الشريعة» (3/1152/ح725) ، والدارقطني في «الصفات» (56/ح45) و (64/ح48) ، والحاكم في «المستدرك» (2/319) - وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي-، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (3/423-424/ح716) من طرق عن جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر قال: قال رسول الله ?: «لا تُقَبِّحوا الوجه؛ فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن جل وعز» .
وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (1/86/ح42) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري به مرسلاً.
وقد صحح الحديث مرفوعاً الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه - كما حكى عنهما الذهبي في «الميزان»
(2/420) ، والحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (5/183) ، والحاكم، ووافقه الذهبي كما تقدم.
وقال الحافظ: «رجاله ثقات» . وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/106) : «رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، وهو ثقة فيه ضعف» .
قلت: إذا ثبت هذا فلا سبيل إلى إنكار هذا المعنى، لذلك كان السلف شديدِي الإنكار على من خالف هذا وأوّل معنى الحديث على غير ظاهره. قال الطبراني في «كتاب السنة» : حدثنا عبد الله بن أحمد قال: قال رجل لأبي: إن رجلاً قال: خلق الله آدم على صورته -أي الرجل-، فقال الإمام أحمد: «كذب، هو قول الجهمية» . انظر الميزان (1/603) ، والفتح (5/183) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعلت طائفةٌ الضمير عائداً إلى غير الله تعالى حتى نُقِل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور، وابن خزيمة،
وأبي الشيخ الأصبهاني، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة» . انظر عقيدة أهل الإيمان (ص55) . وقال حمدان بن علي الوراق، أنه سمع الإمام أحمد -وسأله رجل عن حديث «خلق الله آدم على صورته» على صورة آدم- فقال أحمد: «فأين الذي يروى عن النبي ?: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» ؟ ثم قال: «وأي صورة لآدم قبل أن يخلق؟» . انظر الميزان (1/603) .
وقال ابن قتيبة في بيان بعض الأسباب التي أدت ببعض الأئمة إلى إنكار هذا المعنى: «والذي عندي -والله أعلم- أن الصورة ليست بأعجب من اليدين، والأصابع، والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأتِ في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد» . تأويل مختلف الحديث (ص221) .
وقال الإمام الذهبي مبيناً الموقف الصحيح من حديث الصورة وغيره من أحاديث الصفات: «أما معنى حديث الصورة فنرد علمه إلى الله ورسوله، ونسكت كما سكت السلف، مع الجزم بأن الله ليس كمثله شيء» . وقال مرة بعد ذكره أحاديث الصفات منها حديث الصورة: «فقولنا في ذلك وبابه: الإقرار والإمرار، وتفويض معناه إلى قائلها الصادق المصدوق» . الميزان (2/420) ، وسير أعلام النبلاء (8/105) .
القول الثاني: أن الضمير يعود إلى آدم عليه السلام، قال به قوم من أهل الكلام. انظر تأويل مختلف الحديث (ص219) ، وشرح صحيح مسلم (16/166) .
قال الحافظ ابن حجر: «واختلف إلى ماذا يعود الضمير، فقيل إلى آدم، أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط وإلى أن مات، دفعاً لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى، أو ابتدأ خلقه كما وجد، ولم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة» .
دليلهم حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري ومسلم «خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً. . . الحديث» . قال الحافظ: «وهذه الرواية تؤيد قول من قال: إن الضمير لآدم» . فتح الباري (6/366) .
القول الثالث: أن الضمير يعود إلى المضروب، وهو المعروف عن ابن خزيمة في كتاب التوحيد، وأبي ثور،
وأبي الشيخ الأصبهاني كما نسب إلى الأخيرين شيخ الإسلام ابن تيمية، ونسبه ابن حجر إلى أنه قول الأكثرين.
وحجة هذا القول هو دلالة ظاهر سياق الحديث، لما تقدم من الأمر بإكرام وجه المضروب في قوله «فليجتنب الوجه» . قال الحافظ ابن حجر: «الأكثر أنه يعود على المضروب؛ لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها» . الفتح (5/183) .
قال ابن خزيمة: «توهم بعض من لم يتحرَّ العلم أن قوله «على صورته» يريد صورة الرحمن -عز ربنا وجل من أن يكون هذا معنى الخبر-، بل معنى قوله «خلق آدم على صورته» : الهاء في هذا الموضع كناية عن اسم المضروب والمشتوم، أراد ? أن الله خلق آدم على صورة هذا المضروب الذي أمر الضارب باجتناب وجهه بالضرب، والذي قبح وجهه، فزجر ? أن يقول: ووجه من أشبه وجهك، لأن وجه آدم شبيه وجوه بنيه، فإذا قال الشاتم لبعض بني آدم: قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، كان مقبحاً وجه آدم صلوات الله عليه وسلامه، الذي وجوه بنيه شبيهة بوجه أبيهم» .
ثم أورد بإسناده رواية «فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن» وقال: «والذي عندي في تأويل هذا الخبر إن صح من جهة النقل موصولاً، فإن في الخبر عللاً ثلاثاً:
إحداهن: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده، فأرسل الثوري ولم يقل عن ابن عمر.
والثانية: أن الأعمش مدلس، لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.
والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضاً مدلس، ولم يعلم أنه سمعه من عطاء. كتاب التوحيد (1/87) .
وقد وافق ابنَ خزيمة الشيخُ الألباني على تضعيف هذا الحديث، للعلل الثلاث، وزاد عليه بأن جرير
ابن عبد الحميد ساء حفظه في آخر عمره، كما ذكره بذلك الذهبي في الميزان (1/394) عن أبي العباس النباتي حيث ذكر عن أبي حاتم قال: «صدوق تغير قبل موته» . كما طعن الشيخ في متن الحديث بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة. رياض الجنة (1/429/517) ، والسلسلة الضعيفة (3/316/1176) .
قلت: والجواب على ذلك أن يقال:
أما مخالفة الثوري للأعمش فقد لا تضر؛ لأنه قد شهد للرواية المرفوعة حديث أبي هريرة، أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/230/ح251) من طريق ابن لهيعة عن أبي يونس سليم بن جبر عن أبي هريرة يرفعه. كما رواه الدارقطني في الصفات (65/ح49) من طريق ابن لهيعة أيضاً عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً. وفي إسناده ابن لهيعة، وهو سيئ الحفظ، لكنه يصلح في الشواهد والمتابعات، فلذا يتقوى به الحديث والله أعلم. انظر عقيدة أهل الإيمان (ص22) .
ثم إن الثوري مذكور في المرتبة الثانية من المدلسين مثل الأعمش، فعلامَ ترجح روايته على رواية الأعمش؟
وأما تدليس الأعمش فلا يضر إن شاء الله، لأنه في المرتبة الثانية من المدلسين، وهم: من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه. تعريف أهل التقديس (ص23) .
وأما حبيب بن أبي ثابت فهو من المرتبة الثالثة من المدلسين، وقد قبل بعض الأئمة عنعنتهم، ومنهم الإمام مسلم في صحيحه، إذا تبين له السماع من وجه آخر.
قال الشيخ حمود التويجري: «الظاهر أنه لم يدلس في هذه الرواية، ويدل على ذلك أنه كان يروي عن ابن عمر رضي الله عنهما مباشرة، فلو كان قد دلس في هذا الحديث لكان جديراً أن يرويه عن ابن عمر رضي الله عنهما بدون واسطة بينه وبينه ليحصل له علو الإسناد، ولكن لما رواه عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنهما دل ذلك على أنه لم يدلس في روايته، وقد قال ابن أبي مريم عن ابن معين أنه قال في حبيب بن أبي ثابت: «ثقة حجة» ، قيل له: ثبت؟ قال: نعم، إنما روى حديثين، قال: أظن يحيى يريد منكرين، حديث المستحاضة تصلي وإن قطر الدم على الحصير، وحديث القبلة للصائم. وقال ابن عدي: «هو ثقة حجة كما قال ابن معين» . ويؤخذ من قول ابن معين وابن عدي أن رواية حبيب عن عطاء لا تؤثر فيها العنعنة» . عقيدة أهل الإيمان (ص23) .
وأما نسبة الذهبي جريراً إلى سوء الحفظ فيقال: إن الإمام نفسه تعقب ذلك بأن المعروف بذلك إنما هو جرير بن حازم، وقد صحح الذهبي نفسه هذا الحديث. انظر الميزان (1/394) ، والكواكب النيرات (ص121) . ...
وأما إعلال الحديث بكون هذه اللفظة مخالفة للأحاديث الصحيحة، فإن في هذا الاعتبار نظراً، بل العكس هو الصحيح إذا ثبتت صحة الحديث، وقد ثبتت ولله الحمد.
قال الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله في تقرير هذه المسألة: «وقد قال -يعني ابن قتيبة- قبل هذا الكلام بصفحة: فإن صحت رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ? بذلك، يعني «على صورة الرحمن» فهو كما قال رسول الله ?، فلا تأويل ولا تنازع فيه، انتهى منه. نعم فقد تبين مما ذكرنا أعلاه أن هذا الحديث صححه أئمة الحديث الإمام أحمد بن حنبل، وزميله إسحاق بن راهويه، والحافظان الذهبي وابن حجر العسقلاني، وكفى بهؤلاء قدوة في هذا الشأن، وليس مع من أنكر صحة هذا الحديث حجة يدلي بها إلا عدم إلفه لهذه اللفظة كما قال ابن قتيبة. والله أعلم» . (انظر حاشية كتاب الصفات للإمام الدارقطني (ص62) لمحققه الشيخ علي ناصر فقيهي حيث نقل فيه مقالة للشيخ حماد الأنصاري بعنوان: تعريف أهل الإيمان بصحة حديث صورة الرحمن) .
هذا وقد ذكر الحافظ ابن حجر أقوالاً أخر في معنى هذا الحديث مردها إلى الأقوال السابقة.

الصفحة 12