كتاب الطيوريات (اسم الجزء: 3)

عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
((أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ مُحْرِمٌ، وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا
مَا أَعْطَاهُ)) (¬1) .
قَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ، لا أَعْلَمُ حَدَّثَ بِهِ
¬_________
(¬1) حديث منكر بهذا السياق، وإسناد المؤلف ضعيف فيه سلم بن سالم، وهو غريب من حديث ابن عمر مرفوعا.
أخرجه مالك في الموطأ 1/298 ومن طريقه الشافعي في المسند: 0/104، والبيهقي في السنن الكبرى: 4/269، من طريق شعيب، كلاهما عن نافع عن ابن عمر موقوفاً أنه كان يحتجم وهو صائم قال: ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر.

وأما الحديث بهذا السياق فخطأ، وإنما الصحيح فيه ما أخرجه البخاري في الصوم: باب الحجامة والقيء للصائم
4/174 رقم ((1938)) وفي الطب: باب أي ساعة يحتجم 10/149 رقم ((5694)) من طريق أيوب، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ((أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم)) .
قال الحفظ ابن حجر في التلخيص الحبير: 2/191، بعد أن ذكر حديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي فيه ((احتجم وهو صائم محرم)) ، قال: وفي الجملة الأولى نظر، فما المانع من ذلك، فلعله فعل ذلك مرة لبيان الجواز، وبمثل هذا لا ترد الأخبار الصحيحة، ثم ظهر لي أن بعض الرواه جمع بين الأمرين في الذكر، فأوهم أنهما وقعا معا، والأصوب رواية البخاري، ((احتجم وهو صائم، واحتجم وهو محرم)) فيحمل على أن كل واحد منهما وقع في حالة مستقلة، وهذا لا مانع منه، فقد صحّ أنه - صلى الله عليه وسلم - صام رمضان وهو مسافر، وهو في الصحيحين بلفظ: ((وما فينا صائم إلا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - وعبد الله بن رواحة)) ويقوّي ذلك أن غالب الأحاديث ورد مفصلا. وذكر أن أحمد وغيره أعلّوه، قال مهنّا: سألت أحمد عنه فقال: ليس فيه ((صائم)) إنما هو محرم، قلت: من ذكره؟ قال: ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عطاء وطاووس، وروح عن زكرياء، عن عمرو عن طاووس، وعبد الرزاق، عن ابن خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قال أحمد: هؤلاء أصحاب ابن عباس لا يذكرون صياما ... )) .
وروى قاسم بن أصبغ من طريق الحميدي، عن سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن مقسم، عن ابن عباس مثله، ثم قال: قال الحميدي: هذا ريح، لأنه لم يكن صائما محرما، لأنه خرج في رمضان في غزوة الفتح، ولم يكن محرما.
وأما الشطر الأخير من الحديث. فقد أخرج البخاري في البيوع: باب ذكر الحجامة 4/324 رقم ((2103)) وفي الإجارة: باب خراج الحجام 4/458 رقم ((2278)) ورقم ((2279)) ، والطب: باب سعوط 10/147 رقم ((5691)) ومسلم في المساقاة: باب حل أجرة الحجامة، 3/1205 رقم ((1577)) والسلام: باب لكل داء دواء واستحباب التداوي رقم ((1202)) من طرق عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ((أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - احْتَجَمَ وأعطى الحجام أجره واستعط)) . وقوله ((واستعطف)) أي: استعمل السعوط، وهو ما يجعل في الأنف مما يتداوى به.
قلت وقوله ((احتجم وهو صائم)) في ظاهره التعارض مع الحديث ((أفطر الحاجم والمحجوم)) الذي صححه عدد من الأئمة، لذلك ذهب جماعة من العلماء إلى النسخ، ولكن القول بالنسخ لا يصار إليه إلا عند عدم إمكانية الجمع بين الآثار التي يبدو التعارض بينهما، وممن ذهب إلى الجمع الإمام الشوكاني حيث قال في نيل الأوطار: 4/279: ((فيجمع بين الأحاديث بأن الحجامة مكروهة في حق من كان يضعف بها، وتزداد الكراهة إذا كان الضعف يبلغ إلى حد يكون سببا للافطار، ولا تكره في حق من كان لا يضعف بها، وعلى كل حال، تجنّب الحجامة للصائم أولى، فيتعين حمل قوله: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) على المجاز لهذه الأدلة الصارفة له عن معناه الحقيقي.

الصفحة 1237