عن ابن إسحق، حَدَّثَنِي ابنُ شِهاب الزُّهريّ، عَنْ عمر بن عبد العزيز بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الرَّبِيع بْنِ سَبِرة، عَنْ أَبِيهِ (¬1) قَالَ:
((سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنهَى عَنْ مُتْعة النِّساء في حَجَّة الوَدَاع)) (¬2)
¬_________
(¬1) هو سبرة بن معبد، أو ابن عوسجة، أو ابن ثَرِيَّة -بفتح المثلثة، وكسر الراء وتشديد التحتانية- الجهني، له صحبة رضي الله عنه.
(¬2) إسناده حسن، وابن إسحاق قد صرح بالتحديث في هذا الإسناد، ولم أجد من أخرجه هكذا من طريقه غير المصنف.
وأخرج الترمذي في "العلل" (ص162 ـ ترتيب أبي طالب ـ) ، والباغندي في "مسند عمر بن عبد العزيز" (ص173-174) ، وابن شاهين في "ناسخ الحديث" (ص361) وأبو نعيم في "مسند أبي حنيفة" (ص39) من طريق وهب بن جرير، عن أبيه، عن ابن إسحاق به، غير أنه قال: "عام الفتح" بدل "حجة الوداع".
قال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: "هذا حديث خطأ، والصحيح عن الزهري، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ، عَنْ أبيه، ليس فيه عمر بن عبد العزيز، وإنما أتى هذا الخطأ من جرير بن حازم".
قلت: وقد تابع جرير بن حازم على هذا الإسناد والمتن عبد الرحمن بن معزى.
أخرج حديثه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/363) من طريق محمد بن عبد الله القطان، عنه به.
وكذا أخرج عبد الرزاق (ح14041) ـ ومن طريقه أحمد (3/404-405) ، والطبراني في "المعجم الكبير"
(ح6514) ـ، وابن أبي شيبة (7/504) كلاهما عن معمر، والدارمي (2/188) عن جعفر بن عون، وابن ماجه
(1/631/ح1962) كتاب النكاح، باب النهي عن نكاح المتعة من طريق عبدة بن سليمان، وأبو يعلى (2/238) من طريق إسحاق الأزرق، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/203) من طريق أبي نعيم وجعفر بن عون، كلهم عن
عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن الربيع بن سبرة به مطوّلاً، وفيه أنه في حجة الوداع.
قال البيهقي: "وكذلك رواه جماعة من الأكابر كابن جريج والثوري وغيرهما، عن عبد العزيز بن عمر، وهو وهم منه، فرواية الجمهور عن الربيع بن سبرة أن ذلك كان زمن الفتح".
قلت: ولكن أخرج مسلم (2/1025ح1406) كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، من طريق عبد الله بن نمير، وعبدة ابن سليمان عنه به، بدون تعيين التاريخ.
وأخرج أحمد (3/404) عن عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، وأبو داود (3/16/ح2065) كتاب النكاح، باب في نكاح المتعة، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى (7/204) ـ، والطبراني في "المعجم الكبير" (ح6532) من طريق مسدّد بن مسرهد، كلاهما عن عبد الوارث، وتمام في "فوائده" (1/359) من طريق سفيان، كلاهما ـ عبد الوارث وسفيان ـ عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري قال: "تذاكرنا عند عمر بن عبد العزيز المتعة متعة النساء، فقال ربيع ابن سبرة: "سمعت أبي يَقُولُ: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم في حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة".
قلت: وخالف إسماعيلَ بن أمية جماعةٌ من أصحاب الزهري، فرَوَوْه عنه أن تحريم نكاح المتعة كان يوم الفتح، منهم:
- معمر بن راشد الازدي، أخرج حديثه أحمد (3/404) ، وابن أبي شيبة (3/551) ـ وعنه مسلم (2/1026/ح1406) كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/29) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/204) ـ عن إسماعيل بن علية، عنه به.
- صالح بن كيسان، أخرج حديثه مسلم (2/1026/ ح1406) كتاب النكاح، باب نكاح المتعة، من طريق إبراهيم ابن سعد الزهري، عنه به.
- سفيان بن عيينة، أخرج حديثه الحميدي في "مسنده" (2/374) ـ ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى"
(7/204) ـ، والدارمي (2/188) عن محمد بن يوسف، كلاهما عنه به.
- عمرو بن الحارث، أخرج حديثه ابن حبان (9/453) من طريق ابن وهب، عنه به.
- يحيى بن سعيد الأنصاري، أخرج حديثه ابن قانع في "معجم الصحابة" (1/303) من طريق سليمان بن كثير، عنه به.
قلت: رواية هؤلاء عن الزهري أولى بالقبول من رواية من قال بأنه في حجة الوداع؛ لأنهم أكثر عدداً، قال البيهقي: "ورواية الجماعة أولى".
وقد تابع الزهريَّ عليه عمارة بن غزية، أخرج حديثه مسلم (2/1024/ح1406) كتاب النكاح، باب نكاح المتعة من طريق وهيب، وبشر بن المفضل، عنه به مطوّلاً.
وتابعه أيضاً عبد الملك وعبد العزيز ابنا الربيع بن سبرة، عن أبيهما، وحديثهما عند مسلم في الموضع السابق.
والحاصل أن رواية من قال أنه يوم الفتح أصح، وأشهر، قال الحافظ ابن حجر: "وأما حجة الوداع، فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه أنها في الفتح أصح وأشهر". فتح الباري (9/170) .
وقال السهيلي ـ كما في "نصب الراية" (3/178) ـ: "والمشهور في ذلك رواية الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أنه كان عام الفتح وهو في صحيح مسلم، وفيه حديث آخر رواه أبو داود من حديث الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أيضاً أن تحريمها كان في حجة الوداع، ورواية من روى أنه كان في غزوة أوطاس موافقة لرواية عام الفتح والله أعلم".
وقال العلامة الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه": "صحيح دون قوله "حجة الوداع"، والصواب يوم الفتح". اهـ.
وأجيب عن الرواية التي فيها أنها في حجة الوداع بجوابين:
- أحدهما أن المراد بذكر ذلك في حجة الوداع إشاعة النهي والتحريم لكثرة من حضرها من الخلائق.
- والثاني: احتمال أن يكون انتقل ذهن أحد رواته من فتح مكة إلى حجة الوداع؛ لأن أكثر الرواة عن سبرة أن ذلك كان في الفتح، ومما يدل على ذلك أن من روي عنه أنها في حجة الوداع، روي عنه أيضاً إما أنها في عام الفتح، وإما بدون تعيين التاريخ، والله أعلم. انظر التلخيص (3/155) .