كتاب تذكير الأنام بسنن وآداب الصيام

بالطاعات والمصالح والاصطبار عليها فيكون الثبات عليها أهون عليه؛ ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: ««الصِّيَامُ نِصْفُ الصَّبْرِ» (¬1)، وهذا معنى دلالة «لعل» على الترجي، فالرجاء إنما يكون فيما وقعت أسبابه، وموضعه هنا المخاطبون لا المتكلم، ومن لم يصم بالنية وقصد القربة لا ترجى له هذه الملكة في التقوى، فليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفس لذاته بل لتربيتها وتزكيتها (¬2).
وقال الإمام ابن القيم -رحمه الله- عن الصوم: «هو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه، والعباد قد يطلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأما كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده، فهو أمر لا يطلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم.
وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات، فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]،
¬_________
(¬1) أخرجه ابن ماجه في «سننه» (1745)، وقال الشيخ الألباني: ضعيف، والشهاب القضاعي في «مسنده» (229).
(¬2) انظر: تفسير المنار لمحمد رشيد رضا (2/ 116، 117).

الصفحة 3