كتاب العثمانية

ليعلمه النبي - صلى الله عليه - أن بحضرته ملائكة قد أرسلهم الله ليمنعوه من المشركين، ليسكن بذلك روعه، وتهدأ نفسه، وليثق بحضور النصر وتعجيل الدفع.
وقد علمنا أن الله لم يجعل مع كل مؤمن ملكين يكتبان خيره وشره استذكارا، ولكن المؤمن إذا شعر بمكانهما كان أقطع له عن ركوب الأدناس وأدعى له إلى الاستحياء، وليعلم أن الأمر جد وليس بهزل.
فكذلك إحضار الملائكة لأبي بكر، ليكون بشارة النبي - صلى الله عليه - له بذلك تسكينا لنفسه، وتعجيلا لبعض ما استحق بالاحتمال والمواساة والصبر، من الثواب المعجل دون المؤجل.
ولقد بلغ من ظهور قصة أبي بكر وصحبته ومرافقته وكونه مع النبي - صلى الله عليه - في الغار، أن الروافض مع شدة الإقدام والجرأة على تكذيب الناقلين، لم تقدر على دفعه ورده، حتى قال منهم قائلون: إنما أخرجه النبي - صلى الله عليه - خوفا من أن يدل عليه ويسعى بأمره إلى أعدائه، لأنه كان حسن من النبي بالهجرة، وعرف ميقاته الذي عزم عليه.
وكيف يجوز أن يخاطب الله الناس فيقول: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} والذي به كان النبي - صلى الله عليه - بائنا قد أبر على الأعداء وأربى على الكفار، لأن النفاق أعظم من التصريح.

الصفحة 109