كتاب العثمانية

وثانية: أن الناقلين أنفسهم كانوا سيحكونه، إذ كانوا إنما حكوا نفس الكلمة ليعرفوا أنه قد كان هناك خلاف، ويدلونا على أن سلمان كان ممن خالف، وممن له هذا القدر الرفيع الذي يحتج بخلافه.
وأخرى: أن ذلك لو كان قاله سلمان، وهو طعن على أبي بكر، كان مشهورا عند عمر وعثمان وأبي عبيدة وسعد وعبد الرحمن، وهؤلاء عندكم شيع أبي بكر. فكيف أطبقوا على ترك التكلم على سلمان، والدار دارهم والحكم حكمهم، ومعهم الرغبة والرهبة، مع أن الجرأة على سلمان أيسر وأسلم مغبة من الجرأة على أبي بكر. وقد أطبقت على طاعته الأمة خلا أربعة نفر: أحدهم سلمان، وليس سلمان معروفا بالنجدة وشدة الشكيمة، ولا وراءه ظهر يمنعه، فكيف لم يزجره عن ذلك زاجر، ولم يدفعه عن ذلك دافع، ولم يناظره مناظر، ولم يتعجب منه متعجب، ولم يرفع ذلك رجل إلى أبي بكر كما رفعوا إليه قول خالد بن سعيد.
فإن قلت: إن أبا بكر كان مداريا يتسع صدره لأكثر من هذا، كما اتسع صدره فلم يعاتب خالدا ولا أراده على بيعته. كيف سلم على حدة حكم، فأين جد عمر وحده وقلة احتماله، واعتقاده لمثل هذا؟ وكيف [سلم] طلحة مع شدة بأوه وصرامته.
ولا نعلم شيئا مما ادعوه أظهر باطلا ولا أفسد معنى من قوله "كرداذ ونكرداذ".

الصفحة 189