كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 1)

عليه لم يَكتسبه.
وقيل: ما أباحَ الشرعُ إيقاعَ الفعل عنده، من كل ضَرر يَخاف به الِإنسانُ على النفسِ وما دونَها مما لا يُحتمل مثلُه في اطِّراد العادة، وذلك مَوقوف على ما يَرد به السمعُ، أو يَحصلُ بالاجتهادِ إن لم يَرِد به سَمع، وقد كان يجوزُ ورودُ التعبُّد بالامتناع من إيقاعه، وإن استَضرَّ في نفسِهِ وما دونَ نفسِهِ، وإنما لطف الشرع بتَجويز دفعِ الضررِ عن النفسِ وما دونَها باكتِسابِ ما أُلجىء إلى الإِتيان به.
وامتنعَت المُعتَزلة من تَجويزِ سِوى ما يَصح أن يُباح وُيطلق من القَبائح ابتداءً من غَير إكراه. فأما الِإكراه فلا يُبيحُ ما يَقبُحُ (١) الابتداءُ به، ولاَ يُبيح إلا ما لا يَقبح الابتداءُ به، بناءً منهم على القَول بتحسينِ العقلِ وتَقبيحه، وهذا لا يَصحُّ، لأن الأمَّة أجمعت على قُبحِ كُفران النِّعمة، والكُفرِ بالمُنعِم، وقد أجمعت على أنَّ اللهَ مُنعمٌ، وأجمعوا على إباحةِ الشرعِ لكلمةِ الشِّرك والكفرِ باللهِ لأجلِ الإِكراه، سِيما في حقِّ مَن لا يَتهدَّى إلى المَعاريضِ (٢) ولا يُحسنُها، فإنه يصرِّح بالكفرِ والشركِ من حيثُ الإِطلاقِ والِإباحةِ لأجلِ دَفعِ ضَررِ الإِكراهِ عنه.
---------------
(١) في الأصل: "يبيح".
(٢) المعاريض: كلام يشبه بعضه بعضاً في المعاني، كالرجل تسأله: هل رأيت فلاناً؟ فيكره أن يكذب وقد رآه فيقول: إن فلاناً ليُرى. وهي التورية بالشيء عن الشيء. "اللسان": (عرض).

الصفحة 82