كتاب الواضح في أصول الفقه (اسم الجزء: 2)

به، بدليلِ أنَه إذا قال لعبدهِ: لا تقربن هذه الدارَ ولا تدخلها، ثمّ قالَ بعد ذلك: قد دخلَها عبدي الآخرُ،. لم يؤثّر هذا في الحظرِ الأولِ، ولو قال له: ادخل الآن، سُمّي آذناً، وما عُد إذناً إلا لتقدم الحظرِ، ألا ترى أنَّ العبدَ لو استأذنَ سيِّدهُ في دخولِ الدارِ، فقال لَه سيّدُهُ: ادخلْ، عُد إذناً، ولو قال له: قد دخلَ غيرُك من عبيدي، لم يخرُجْ عن كونهِ خبراً، فصحَّ ما قلنا.
وأمّا قولهم: إنه لو كان تقدُّمُ الحظرِ يُغَيِّر مقتضى اللفظِ، لما جاز أن يُحكمَ بأنه لا يحدث حتى يستبرىءَ ويبحثَ، هل تقدمَ الحظرُ أم لا؟، فإنّه باطل بالصيغةِ إذا وردَت بعد النهي والوعيدِ، فمنّها مقتضى التهديدِ، ولا يُقالُ إننا نحتاجُ أن نسألَ حين بادرَ الصيغةَ بالاستدعاءِ: هل كان قبلَها حظر أوْلا؟.

فصل
يكثرُ ذكرُهُ بين الفقهاءِ، ولا يُحقَّقُ الكلامُ فيه، بل يعلقُ تعليقاً.
وهو قولُهم: إنّ ما لا يحصلُ الواجبُ إلا به فهو واجب.
فاعلم -وفقكَ الله- أنَ التحقيقَ في ذلك أن يقال: إنَّ ما لا يصحُّ فعلُ الواجبِ إلاّ به على ضربين:
أحدُهما: من قِبلِ الله سبحانَهُ.
والثاني: من كسب العبْدِ.
فالذي من قبل الله سبحانَه: إزاحةُ العلّةِ في التمكنِ من الفعلِ الذي أوجبهُ، ولا يحصلُ ذلك إلا بثلاثةِ أشياء:
عقل تامٌّ، يصلحُ للنظرِ في دلائلِ الغير، وفهمِ الخطاب، والاستدلالِ بما ينصبُه سبحانه من الأدلةِ على ما أوجَبهُ عليه من أنواعَ

الصفحة 539